
تزامنًا مع الذكرى الثالثة لمؤسسة معنى، أقامت معنى مسابقة «تصميم لوحة غلاف كتاب» في تاريخ 24 من مارس 2022. وقد كان الكتاب «نشأة الكتاب العربي»، لمؤلفته الألمانية بياتريس غروندلز، والذي سيرى النور بحول الله ضمن إصدارات دار معنى الجديدة في معرض الرياض للكتاب 2022.
استهدفت المسابقة تحفيز المبدعين والمبدعات في مجال التصميم بشتى أنواعه، وإبراز مواهبهم وإنتاجهم. بلغ عدد المشاركات 88 مشاركة من أنحاء العالم، تنوعت واختلفت ما بين تصميم فنّي، ورسم يدويّ، وكولاج إبداعي. وقد اُختير منها فائزة واحدة لجائزة المركز الأول بمبلغ 3000 ريالًا سعوديًا.
يسعدنا أن نعرض في هذه المقالة أبرز مشاركات المسابقة، ونتعرف قليلًا على مبدعيها، ونتجول في ساحات خيالهم وأفكارهم. استرخِ عزيزي القارئ، وربما تود لموسيقى أنور ابراهم أن تصاحبك أثناء القراءة.
[divider style=”solid” top=”20″ bottom=”20″]

قالت نرجس مصطفى النمر من السعودية صاحبة اللوحة الفائزة حول الفكرة العامة التي أرادت إيصالها من خلال عملها، بأنها تريد إظهار البيئة العلمية في العالم العربي والإسلامي التي تتسم بالأُلفة والعراقة منذ قديم الزمان. وقد اهتمت نرجس بالرسم منذ طفولتها ثم قررت التركيز عليه ودراسته ذاتيًا كأي علمٍ آخر يُدرس ويُبذل الجهد والوقت من أجله بعد انتهائها من المرحلة الثانوية حتى هذا اليوم. وأضافت حول اهتمامها بهذا المجال، بأنها تميل إلى المدرسة الواقعية، وقد خصصت من الواقعية جوستاف كوربيه ومن الأخرى نورمان روكيل وذكرت كيف أثّرا عليها بتكريس نفسيهما للفن ورسم ما يرونه في العالم من حولهما.
وقد سألنا نرجس عن اللوحة، وسر ألونها المميزة؛ فأجابت: «استخدمتُ ألوان الجواش على ورق مخصص لها، لأني أجد في هذه الألوان التسامح الذي يمكنني من التعديل في حال الخطأ وتفعيل اللون مرة أخرى بمجرد إضافة الماء إليه. لألوان الجواش قوام مميز بحيث يُمكن استخدامها بكثافة عالية لتظهر كالألوان الزيتية وبكثافة أقل لتصبح كالألوان المائية».

أما لجين الغامدي من السعودية فقد حدثتنا عن الفكرة التي قادتها لاختيار الحروف العربية عنصرًا أساسيًا ووحيدًا في اللوحة؛ فذكرت أنها لم تجد رمزًا أكثر شمولًا من اللغة ذاتها يجمع العرب باختلاف أمكنتهم وأزمنتهم، وارتأت بأن ذلك أنسب ما يمكن وضعه كلوحة لموضوع الكتاب.
وقد لفت نظرنا النقطة الحمراء البارزة في تصميمها؛ فسألناها عنها، وأجابت: «في بداية عهدها، لم تكن اللغة العربية تحتوي على أي نقاط، وكان العرب يعتمدون في قراءتها على السياق والسليقة اللغوية. وعلى مر القرون، ظهرت العديد من المبررات التي استوجبت تنقيط أحرف اللغة، كالمحافظة على القرآن الكريم واختلاط العرب بالعجم إثر توسّع الخلافة الإسلامية. نتيجةً لهذا، فضّلت تمييز أحد النقاط في التصميم الفني بلون مختلف، كرمزٍ لدور وأثر التنقيط في تطّور اللغة العربية والارتقاء بها».

استلهمت ريم السعيدي من السعودية لوحتها التي عنونتها بـ«الخيل والليل» من أبيات المتنبي المشهورة: الخيل والليل والبيداء تعرفني / والسيف والرمح والقرطاس والقلم، وأرادت بها إبراز جمال الفكر العربي وحيويته، وقالت معقّبة: «بشكل عام أميل للرسم التجريدي الانطباعي والتعبيري لكن في هذه اللوحة قصدت أن أجسد بعض الأفكار من موضوع الكتاب».

اختارت سارة فلاح من الإمارات فن «الكولاج» تحديدًا كنوع من المقاربة بينه وبين عملية البحث ذاتها من جهة، ومن جهة أخرى بينه وبين الموضوعات التي تبحثها الكاتبة في الكتاب. وتقول سارة عن تفاصيل القطع والعناصر الموجودة في العمل:
«النقطة المحورية في التصميم (القراء) مأخوذة من منمنمة صفوية من إحدى نسخ كتاب “مجالس العشاق” وهي مخطوطة تعود للقرن السادس عشر الميلادي، المنمنمة بعنوان “ليلى والمجنون في المدرسة”، أما عناصر الخلفية من سماء وشمس وخارطة فهي من مراجع أوروبية وترمز للمنظور الغربي (منظور الباحثة الألمانية) فيبدو القراء لنا كأنهم يطوفون أو يحلقون في سماء غربية وشمسهم تشرق على خارطة العالم القديم. أما السماء فهي مأخوذة من إحدى لوحات فيرمير، والخارطة من مجموعة الملك جورج الثالث وتعود للقرن السابع عشر، وأما باقي العناصر فهي تكميلية مأخوذة من مخطوطات فارسية تعود لفترات زمنية متنوعة، الأشجار مثلاً مأخوذة من إحدى مخطوطات الشاهنامة. وأغلب هذه العناصر موجودة ضمن أرشيف المكتبة البريطانية».

تحدث لنا أيوب ضبابي من الجزائر عن القيمة البصرية في الغلاف الحديث وبُعده عن التسطيح والمباشرة، ثم عن توظيفه أنماطًا من الزخرفة العربية الإسلامية (الأرابيسك) التي توصل لها بعد بحث جرافيكي في مختلف المناطق العربية ترميزًا لموضوع الكتاب. وحين سألناه عن الألوان، أجاب مستفيضًا بقوله:
«وعند التكلّم عن الألوان الموظّفة فقد حاولت جعلَ اللّون الأزرق يظهر بنسبة أكبر. الأزرق الذي يعطي إشارة بارزة إلى التراث العربيّ الفنيّ والذي يظهر في لون الأواني والألبسة وطلاء الجدران. قد يفكر أحدهم في اللون الذهبيّ أو الأخضر كإشارة للهوية العربيّة لكن اللون الأكثر ظهورًا عبر تنوع ثقافات الرقعة العربية كان الأزرق دومًا».


رسمت شيماء أحمد من السعودية لوحتين واقعيتين، تُظهران رجلًا مسنًا ومتفكرًا، يرتدي زيّا عربيًا، تخيّلًا للحظة نشوء الكتاب العربي. استخدمت شيماء اللون البني لونًا أساسيًا في العمل إشارةً إلى الثبات والحكمة وإلى الأصالة والجذور الممتدة عبر التاريخ، وتقول عن أسلوب الرسمة وحماسها في العمل: «رُسمت اللوحتين بإسلوب الواقعية لإظهار الفكرة بصورة واضحة، ومساعدة المُتلقي على فهم الجوهر الأساسي للعمل. استغرق إنهاء العمل مدة لا تزيد عن ثمانية أيام بمجمل أربع ساعات يوميًا، والكثير من الانسجام والشغف لحظيًا».

جاءت فكرة الماندالا من المرشحة تماضر الدوسري من السعودية، حيث جعلت من الكتب عنصرًا زخرفيًا ودمجتها بالزخارف العربية الإسلامية في ماندالا لا نهائية منسجمة تعبيرًا عن امتداد الفكر العربي وتطوره، وتقول عن رفوف الكتب في التصميم: «وجعلت من رفوف الكتب أشكالاً هندسية لتكون صورة رمزية عن نشأة الكتاب العربي».
[divider style=”solid” top=”20″ bottom=”20″]
نهنئ الفائزة نرجس النمر، ونتمنى حظًا أوفر لبقية المبدعين الرائعين في مسابقات معنى القادمة، وما مسابقة «تصميم لوحة غلاف كتاب» إلا بداية مسابقات سنعلن عنها بإذن الله في الشهور القادمة.