«المزيد من الأغاني عن الطعام والمباني» هذا هو عنوان ألبوم فرقة الروك «توكنغ هيدز [Talking Heads]» الصادر في ١٩٧٨. تطرّق الألبوم إلى كلّ الأمور التي لا يدأب نجوم الروك على الغناء عنها. فأغاني البوب عادةً ما تكون تنويعات على ثيمة الحبّ؛ أما الأغاني المشابهة لأغنية جورج هارسن «محصّل الضرائب»، التي أُلِّفت ردًا على معدّل الضريبة الحدّي البالغ ٩٦٪ الذي قدّمه رئيس الوزراء هارولد ولسن في الستينيّات، فهي استثناء.
ومثلهم الفلاسفة؛ إذْ يميلون عادة إلى مواضيع محدّدة؛ فهم يصبون تركيزهم على الإبستيمولوجيا، والميتافيزيقا، إضافة إلى مواضيع هامشية في نظرهم مثل معنى الحياة. بيد أن بعض العقول العظيمة تشطّ آنًا بعد آن عن مضمارها وتكتب عن مسائل أخرى. تكتب على سبيل المثال عن المباني (مارتن هايدغر)، أو عن الطعام (هوبز)، أو عن عصير الطماطم (روبرت نوزِك)، أو عن الطقس (لوكريتيوس وأرسطو). تتناول هذه السلسلة من «موجز فلسفي» الثيمات غير الشائعة؛ أي الأشياء التي يكتب عنها الفلاسفة أيضًا.
لماذا نضحك؟ اختلف الفلاسفة، كدأبهم، على سبب قهقهتنا وكركرتنا.
كرّس هنري برغسن (١٨٥٩-١٩٤١)، وهو فرنسيّ وقور، كتابًا جادًا لهذا الموضوع، وقد دوّن فيه ملاحظته بأن «المنظر الطبيعي قد يكون جميلًا وأخّاذًا ورائعًا، أو تافهًا أو قبيحًا؛ غير أنه لن يكون مضحكًا أبدًا». بالنسبة لنا، ما يعتبر «فكاهيّ لا يوجد خارج نطاق ما هو بشريّ حصرًا». بالتالي، «قد يضحكك حيوان، لكن لأنك تبيّنت فيه سلوكًا بشريًا» (برغسن، «Laughter» ١٩٢٤، ٦)
ثمّة ثلاثة أسباب أساسيّة للضحك؛ فنحن نضحك من الآخرين، وعندما نواجه السخافات، وحينما نواجه أهوالًا تتطلّب أن نحرّر الطاقة العاطفيّة. لنتناول هذه الأسباب كل واحد على حدة.
أولًا، بالنسبة لتوماس هوبز (١٥٨٥-١٦٧٩) فإن الضحك وسيلة لإظهار التفوّق؛ «ينتج الضحك عن […] إدراك شيء مشوّه في الآخر، بالمقارنة التي يُعجب الناس من خلالها بأنفسهم» (هوبز «Leviathan»، ١٢٥).
ثانيًا، بالنسبة لحنّة أرنت (١٩٠٦-١٩٧٥)، «كان الضحك بريئًا ومختلفًا تمامًا عن السخرية الموجهة في أحيان كثيرة إلى خصم في خلاف جادّ، حيث يصبح الضحك حينها بالفعل سلاحًا مخيفًا». (حنّة أرنت «Life of the Mind»، ص.٨٢) ثالثًا، بالنسبة لأرنت، فهو وسيلة لتخفيف الألم. لقد ذُكر عنها أنها أجبرت نفسها على الضحك ضحكًا عصيًّا على السيطرة حينما كانت تجري بحثها «أيخمان في القدس»، وهو كتابها الشهير عن الهولوكوست. تدعى هذه أحيانًا «نظرية التخفيف» بالضحك، فجدية أمر ما تقاس بمقدار النكت التي يمكننا أن نقولها عنه. لهذا السبب نقول أحيانًا نكتًا لا تليق عن أكثر الأمور شناعة ورفضًا.
كان لورد شافتسبري (١٦٢١-١٦٨٣) -الذي رعى الفيلسوف جون لوك (١٦٣٢-١٧٠٤)- أوّل من كتب عن هذه النظرة للضحك. في ١٩٠٧ تأمّل في أن «أرواح الرجال [والنساء] العبقرية الطبيعيّة الحرّة، إذا ما سُجنت أو كُبحت، ستعثر على طرق أخرى للحركة كي تريح أنفسها في قيدها». («An Essay on the Freedom of Wit and Humour»، ٤)
غيرهم من الكتّاب قد تبنّوا وجهة نظر أخرى. فإيمانويل كانط (١٧٢٤-١٨٠٤) الذي يُعرف عادة بأسلوبه المعقّد والعسر؛ إلّا أنه كان واضحًا ومباشرًا على غير عادته حين تأمّل قائلًا: «في كل أمر يثير ضحكة لا إرادية حيويّة لا بدّ من وجود شيء عبثيّ (حيث لا يجد الفهم حينها ما يرضيه). فالضحك نزعة ناجمة عن التحوّل المباغت من توقّع متوتر إلى اللاشيء» («Critique of Judgement»، ٢٧٣). وقد أسماها -لأولئك الذين يحبون التصنيفات- «نظرية التنافر».
ربّما أن الفلسفة في المحصّلة مسألة متعلّقة بالضحك. فهذا ما آمن به أفلاطون (٤٢٨-٣٤٧ ق.م.)، ولهذا أوصى في «الجمهورية» بألّا يكون القائمون على دولته المثالية «مولعون بالضحك» («Republic» ٣٨٨e). أما نيتشه فلديه وجهة نظر أخرى تبدو ملهمة على نحو أكبر، «كل حقيقة زيف .. ما لم تتضمن ضحكًا!» («Thus Spoke Zarathustra»، ٣٠٧) وهذه ليست نكتة!
موجز فلسفي من مجلة «الفلسفة الآن» – عدد «السعادة».