أغنيةٌ لعبورِ النَّهر مرَّتين أو مرَّات | المختار النواري
تحرير ومراجعة: بلقيس الأنصاري

1 ـ مستوى بوابات القراءة
يَعْبُر محمد عبد الباري نهر مطولته الشِّعرية مرَّتين، ويَعبُره القارئ بعده عشرات المرَّات، ويَعبُره الناقد بعدهما عددًا لا يُقدَّر من المرَّات، ويستمرّ في عبوره، لتتواصل مع ذلك سمفونية العبور الأزليّة، التي أراد لها الشاعر أن تكون أغنية صاخبة، وإيقاعية عالية، ونغمية مُرعِدة، تُخلخل المؤسَّس، وتُطرب الجلمد، وتُسمع الأصم، وتُنطق الأخرس، وتُرقص الكوسج. ولا شك أنّه أتعب ذائقته الموسيقية، وأخرج من صندوقها ما راكمه طوال سنوات في رحلته مع الشِّعر، وفنّ توشية الكلام، ورصف اللغة، واستعان بجان شِعره، فابتعث له الزرياب، وإسحاق الموصلي، وعبيد بن سريج، وعزة الميلاء.
وبمناسبة هذه المطولة يجدر التذكير بما راكمه الشِّعر العربي، قديمه وحديثه، من رصيدٍ نظميّ في مجال المطوّلات والتطويل والإطالة، فقد تشكّلت عبر مرحلتين بسبب ظروف التأليف، التي لم تكن ناضجة بالقدر الكافي في عصور العربية الأولى، ولم تكن تستطيع التعامل إلاّ من خلال الطول، الذي اقتصر على النصّ الواحد، ولم يكن بمقدورها أن ترقى إلى جمع الطويل والمتوسط الطول والقصير والمفرط القصر والنتفة والبيت اليتيم والشطر في مصنَّفٍ واحد، هو الذي سُمَّي بعد ذلك بالديوان، بما يعنيه المفهوم من تحكّم معايير الترتيب والتنظيم والتقسيم والتقديم والترابط، والتي جُمعت كلها تحت مسمَّىً أوسع، هو التصنيف، واتخذ له في الشِّعر اسم (الديوان)، وربما غالبه شيء من النثر، أو خصّ به كاملاً (ديوان الرسائل)، فسُمَّي بالاسم نفسه.
وبسبب ارتكان القصيدة إلى مفهوم الطول؛ فلم تكن في العصر الجاهلي قادرة على استيعاب أكثر من حجم المُعلَّقة، وبسبب الإعجاب بهذه البراعة التصنيفية، التي كانت خطوة تأليفية عملاقة بمنظور زمنها، فقد تعدَّدت مسمّياتها ما بين «المُذهَّبة»، و«المُعلَّقة»، و«القصائد السبع الطوال». وفي عنوانٍ لابن الأنباري 328ه. تسمَّى السِّمط، رُوي ذلك عن المفضل، و«السِّمْط»: النظم من اللؤلؤ. وأُحيطت بهالةٍ من القدسية الدينية، التي اعترفت بمقدار الجمال البيانيّ والسِّحر الفنيّ والسُّلطة البلاغية.. وهذه مرحلة أولى.
أمّا المرحلة الثانية، وهي تلك التي اعترفت بالقصيدة الطويلة جدًا، أو المفرطة في الطول بشكلٍ غير عاديّ، ونسبتها لصاحبها، مع ما نسبته إليه من قصائد طويلة، ومتوسطة الطول وقصيرة ومفرطة في القصر، وسمَّت كل ذلك «مجموع شِعر» الشاعر. وقد كان هذا خلال الفترة العباسية وما بعدها، إلى بدايات العصر الحديث.
وبين هذا وذاك ظهرت بعض المطوّلات الشِّعرية التي استقلَّت بنفسها داخل عمل واحد، ونذكر منها، أعمال أبان اللاحقي (ابن عبد الحميد الرقاشي البصري 200ه)، الخاصّة بـ«نظم أمثال كليلة ودمنة»، في قرابة خمسة آلاف بيت، وقيل أكثر من ذلك، كما نقل شِعرًا «سيرة أردشير»، و«سيرة أنوشروان»، و«سيرة البرامكة». وظهرت مطوّلات المديح النبوي، التي اشتهرت منها قصيدتا البُردة ـالكواكب الدريّة في مدح خير البريّةـ والهمزيّة للبوصيري (شرف الدين محمد بن سعيد الصنهاجي ـ696ه)، وسارَ على نهجه شعراء الإحياء، أمثال: أحمد شوقي في «نهج البردة»، و«ذكرى المولد» الأولى الهائية، و«ذكرى المولد» الثانية البائية، و«الهمزية النبوية». وحافظ إبراهيم في «العمريّة»، التي خصّصها للخليفة عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ. ومحمد عبد المطلب في «العلويّة»، التي أفردها لعليّ بن أبي طالب ـ كرَّم الله وجهه.
في حين أنّ المرحلة، التي عُرِفت حقيقة شكل «القصيدة ـ الديوان»، فقد ظهرت في العصر الحديث خلال النصف الأول من القرن العشرين، بحيث تنوعت أفانين الشِّعر، بباعثٍ أصيل أو بتأثيرٍ أجنبي، وانعكس ذلك على حجم القصيدة حينما غلب النفَس الدرامي، فظهرت قصائد ـ دواوين، اتخذت قوالب فنيّة متعددة، فهي إمّا أن تتخذ القالب الفنّي للمسرحيات، ومنها ما أنجزه الرائد أحمد شوقي في مسرحياته الشِّعرية، ومسرحيات أحمد زكي أبي شادي (إحسان، والغرباء)، ومأساة الحلاج لصلاح عبد الصبور، ومسرحيات عبد الرحمن الشرقاوي، ومنها، عمله الأول «مأساة جميلة»، و«الأسير»، و«ثأر الله: الحسين ثائرًا، ومسرحية الحسين شهيدًا»، و«الفتى مهران»، و«صلاح الدين النسر الأحمر»، و«أحمد عرابي»؛ أو للملاحم، ومن ضمنها: «شاطئ الأعراف» للهمشري محمد عبد المعطي، و«ديوان مجد الإسلام» أو «الإلياذة الإسلامية» لـ أحمد محرم، حول السيرة النبوية؛ أو ما اُتخذ قالبًا قصصيًا، ومما كُتب منه: «المها»، و«عبده بك» لأحمد زكي أبي شادي، و«قُبلتان» لإبراهيم عبد الحسين العريض، و«هو وهي» لفدوى طوقان، و«حكاية عاشقين» لخليل مطران، و«الفضيلة الملثمة» لإدوارد مرقص، و«ثورة في الجحيم» لجميل صدقي الزهاوي؛ أو قالبًا سِيريًا، وفيها نجد: «كشف الغمّة في مدح سبق الأمّة» للبارودي، و«بطل الجزيرة» لفيكتور ملحم البستاني، وسيرة الملك عبد العزيز لخالد بن محمد الفرج، أطلق عليها «أحسَن القصص».
وازدادت القصيدة الطويلة نضجًا وتألّقًا في النصف الثاني من القرن العشرين مع شعراء عديدين، وعرفت سطوعًا لافتًا مع حركة الشِّعر الحُرّ؛ فظهرت قصائد طويلة كثيرة، نُشرت ضمن دواوين، نذكر منها: «المومس العمياء»، و«حفّار القبور»، و«الأسلحة والأطفال» لبدر شاكر السياب، وهي متتالية في ديوان أنشودة المطر؛ و«رسالة من أبٍّ مصري» لعبد الرحمن الشرقاوي؛ و«وجوه السندباد» لخليل حاوي؛ و«المُلك لك» لصلاح عبد الصبور؛ و«قصيدة ينقصها شهيد» لممدوح عدوان، و«رباعيات طائشة»، و«سقوط قطريّ بن الفجاءة»، لعليّ الجندي؛ و«الجهات الأربعة» لمحمد عفيفي مطر، و«عودة فبراير»، و«فبراير الحزين» لأحمد عبد المعطي حجازي، و«البكاء بين يديّ زرقاء اليمامة»، و«أيلول»، لأمل دنقل، و«انتقام الشنفرى» لسميح القاسم، و«لاعب النرد»، و«لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي» لمحمود درويش، و«مرآة الطريق وتاريخ الغصون»، و«مرايا وأقلام حول الزمن المكسور»، و«الصقر» لأدونيس.
نُشرت القصائد الطويلة في دواوين مستقلَّة، ولقيت تقبَّلاً باهرًا من لدن القرّاء. نذكر من بينها: «على بساط الريح» لفوزي المعلوف، وملحمة «عبقر» لأخيه شفيق المعلوف، و”أنشودة المطر” لبدر شاكر السياب، و«طرفة في مدار السرطان» لعليّ الجندي، و«الذي يأتي ولا يأتي» لعبد الوهاب البياتي، و«بلقيس» لنزار قباني، و«الجدارية» لمحمود درويش، و«الصعود إلى عرش فاطمة»، و«يوم غابت فاطمة» لخالد محيي الدين البرادعي، وله أيضًا «ملحمة محمد» في السيرة النبوية. بل ومن الشعراء من اتخذ الديوان ـ القصيدة تجربة أساسية له- فوالى في إطارها إبداعاته، وأخصّ بالذكر الحبيب الصايغ الذي راكم ثلاثة دواوين، هي: «هنا بار بني عبس: الدعوة عامة»، 1980، و«ميارى» 1983، و«أُسَمِّي الردى ولدي» 2011.
أمّا فيما انصرم من القرن الواحد والعشرين فقد كان للشِّعر المغربي حضورًا وازنًا في ظاهرة القصيدة ـ الديوان، فقد طلعت علينا دواوين كثيرة، تضم قصيدة واحدة، نذكر منها ما قام به الشاعر المراكشي إسماعيل زويريق بإخراج لديوانيه «أسفار الطين»، و«ذات العماد»، وبينهما ما تغنَّى به شاعر الأصقاع المغربية الحسن الكامح في ديوانه «أنتِ القصيدة». وربما كانت خطوة الشاعر إسماعيل زوريق متميزة، وضاربة رقمًا لم يبلغ إليه غيرها بديوان «على نهج السيرة»، الذي ارتأى له صاحبه أن يكون في ما يفوق 18000 بيتًا، في أجزاء، بلغ المطبوع منها إلى حدّ الساعة خمسة أجزاء، ضمَّت عشر مجموعات، بلغ عدد أبياتها 17500 في خمسة أجزاء وعشر مجموعات.
ولقد كانت لي مع الإطالة والمطوّلات وقفات، ومن بين ما خصَّصته بدراسةٍ متأنيةٍ ديوان «أنتِ القصيدة…»، للشاعر المغربي حسن الكامح؛ ولذا كانت لي هذه الوقفة مع قصيدة محمد عبد الباري الطويلة «أغنية لعبور النهر مرَّتين»، التي غدت ديوانًا مستقلاً، وكان لديّ من الفضول المعرفي ما يدفعني إلى معانقة ديوانه، والسماع لحنينه وأنينه، وعذوبته وصخبه، وانسيابه وترجرجه، وانكساره وهديره، والاستمتاع بهذا العبور، السلس والماتع، المهنئ والممتع، المفزع والمريع، الأليف والطريف، المفاجئ والمباغت، المعانق والمسالِم، الصادم واللاطم.
كانت لمعانقة هذا الديوان، والاستمتاع بهذا العبور إثارات مختلفة المناحي والمشارب، ومتنوعة المنح والمطالب، تَأخذ من حيث تُعطي، وتُعطي من حيث تَأخذ، وتَنجلي من حيث تَختفي، وتَختفي من حيث تَشِيع، وتَلتوي من حيث تَقصد، وتَأتي من حيث تَذهب، وتَنكسر من حيث تَنتصر، وتَحطُّ من حيث تُحلِّق، وتُخْلف من حيث تَجدب، وتَحتوي من حيث تَفْرغ، وتَسْعد من حيث تَشْقى، وتَصْعد من حيث تَهْبط، وتَبْعد من حيث تَدْنو، وتُقَرِّب من حيث تُقْصي، وتُفْضي من حيث تَصْمت، وتُصَرِّح من حيث تُلمِّح، وتَبْرح من حيث تَفْرح، وتَفْرح من حيث تَطْرح، وتَقْبل من حيث تَرْفض، وتَرْفض من حيث تُقْنع، وتَسْمع من حيث تَخْرس، وتَكْتب من حيث تُسوِّد، وتُسوِّد من حيث تُبيِّض، وتُبيِّض من حيث يَعْلق الكلام. هزلها جدّ، وبساطتها تركيب، ووضوحها غموض، وتفكيكها تعقيد، وصمتها مناجاة.
وأتى هذا الصخب الصامت، والبدهي اللافت، والتَّنوُّع المُتوحِّد، والتَّجمُّل المُتجرِّد، والمُريح المُتعِب، والمُبعِد المُقرِب، والمُشقِي المُسعِد، والمُسفِل المُصعِد، في مناحي عدة، يجلِّلها الغناء (أغنية)، ويوشِّحها العزف، ويعرِّيها الرقص، ويَفْتِنها العبور، ويَمُدُّ لها النهر من انكساراته معابر، ويدثِّرها من شفافيته بهاء، ويرصِّعها من قطراته صفاء، ويعزف لها على ضفافه سمفونية الأزل، التي ما يفتأ يكتبها ويمحوها عند كل مدّ وجزر، ويسكب لها من رقرقته وهديره أنخابًا، ما يزال يتلوها عند كل فجر وعصر، بإيقاع مُبهِر، وغنائية مُفرِطة، تَحْكُمها نوطات مضبوطة ومنضبِطة، وتُوَشِّيها إيقاعات مُنهِكة ومُنهمِكة، تَفْتنُّ بتلونها عن ترصدها، وتُرْهِف بتعددها عن تحسبها، فلا يكاد الوعي يستوعبها، ولا التلو يحصرها، وتحتاج إلى تتبعٍ متعِب، وتمحيص ممحِص.
هذه القصيدة ـ الديوان عبور زمنيّ، يشهد عليه النهر ولا يَعبُره، ويدور حوله ولا يقطعه، فهو يحُول حَوْل الحَوْل ولا يتحوَّل عنه، ومقاطعه الاثنا عشر بعدد شهوره، وتقطيعاته الدورية بعدد فصوله، ومداخله اللغوية مصرحة بذلك في سطرها الأول، مربكة له في سطرها الثاني. فهي الصيف أولاً والريح والواحة ثانيًا؛ وهي الخريف أولاً، والشجن والحاجة ثانيًا؛ وهي الشتاء أولاً، والجدب والحرّ ثانيًا؛ وهي الربيع أولاً، والعَوْد والبَدْء ثانيًا. كل هذا يشهد على نغمية زمنية مُحْكَمة، وإيقاعية دورية مرصَّعة، تصبُّ في نهر الزمان، الذي ينساب ويزمجر، ويمدّ ويجزر، ويتحرك ولا يتوقف، ويتقلّب ولا يهدأ، ويَهَب ويسلب، ويمنح ويمنع، ولا يستطيع عابره بعد هدوئه أن يسلَم من تقلّبه، ولا أن يأمن بعد عبوره لعوده عقب بدئه.
ولقد رسم لنا ديوان «العبور» مسالك لعبوره، وجعل لها بوابات أو مداخل، نعتبرها من العتبات، منها المعلَنة وغير المعلَنة، المُظهَرة والمتوارية، المتعارَفة والمكتشَفة. وقد كانت سِتّ بوابات، منها ما تُدلِف إلى التصنيف واللغة والتوثيق، ومنها ما تنفتح على الزمن والإهداء والرسم.
1ـ بوابة التصنيف
للعبور إلى ديوان «العبور» بوابة ـ من ضمن بواباته الستّ ـ وتخصّ التصنيف، على اعتبار أنه مصنَّف، يحمل مزيجًا من التشكّلات، تحمل في طياتها مشكلات ـ بالكسر والفتح ـ قد تتوالى وتتوالد، وتتكاثر وتتضخَّم، وتكبر وتتورَّم، حتى تغدو إشكالات. ولعلَّ سياقتها في صورها البسيطة، تبدأ من أعلاها إلى أدناها، من الكِتاب ـ الديوان، فالديوان ـ القصيدة، فالقصيدة ـ الأجزاء، فالجزء ـ المقطوعات، والمقطوعة ـ المقطَّعات، والمقطوعة ـ القِطَع، والقِطْعة ـ النتفة، والقِطْعة ـ البيت/ السطر، والسطر ـ الجملة، والجملة ـ العِبارة، والعِبارة ـ اللفظة.
وهنا لا بدَّ من وقفةٍ توضيحية تفصل في التقطيعات التصنيفية التي انتهجها الشاعر، وما اختارته لها هذه الدراسة من إطلاقاتٍ اصطلاحية للتعامل معها، قصد ضبطها وتسهيل التعامل معها.
اصطلحتُ على تقسيمات هذا الديوان بـ:
ـ المداخل اللغوية: وهي مقاطع لغويّة أربعة استمدها الشاعر من لسان العرب، تتواجد على رأس كلّ ثلاثة مقاطع (صيفًا، وخريفًا، وشتاءً، وربيعًا).
ـ الجزء أو الفصل: وهو المقدِّم له بالمدخل اللغويّ المتحدث عن الفصل السنوي، ويضم كل جزء ثلاثة مقاطع (1 ـ 3) ـ (4 ـ 6) ـ (7 ـ 9) ـ (10 ـ 12).
ـ المقطوعة: كانت اثنتا عشرة مقطوعة، وهي المرقّمة من 1 إلى 12، وتقابلها التحديدات بالصفحات التالية. وتتكّون كل مقطوعة من مُقطَّعات ومَقاطع، تفصل بينها فراغات بمقدار سطر.
ـ المُقطَّعة: تَشكُّل شِعري مُكوَّن للمقطوعة، ويتراوح عدد أسطره بين 7 ـ 8 ـ 9 ـ 10 ـ 11 ـ 12 ـ 13 ـ 14 ـ 15 ـ 16 ـ 17 ـ 18 ـ 20 ـ 64.
ـ المَقْطع: تَشكُّل شِعري مُكوَّن ـ هو والمُقطَّعة ـ للمقطوعة، وهي المجموعة الصغيرة من الأبيات، يتراوح عدد أسطرها بين 1 ـ 2 ـ 3 ـ 4 ـ 5 ـ 6.
ـ الرسوم: وهي اثنا عشر رسمًا تتقدَّم المقطوعات الاثنتا عشرة.
العبور عبر «اللفظة ـ السطر»
وتقف اللفظة ـ السطر لا باعتبارها أصغر وحدة لغويّة دالة، عليها يُبنى الكلام، وبها يتأسَّس، ولا باعتبارها أصغر تشكّل حجمي، يتوفر عليه الديوان وحسب، وإنما باعتبار المكانة التي وضعها فيها الشاعر، والقيمة الكتابية والدلالية التي وزنها بها، لتقف شامخة بين السطور، متعالية على المقاطع والمقطَّعات والمقطوعات، زاهية بتفردها، متقوية بتعدد أدوارها، وتلوّن صورها، واختلاف مواقعها، منعزلة بنفسها، مختلية بوحدتها، منجمعة بذاتها، مستغنية عن غيرها، من أيّ انحشارٍ يلفت إليه، أو على الأقلّ يقاسمه وإيّاها الاهتمام؛ متخفّفة من أيّ تعالق يثقلها، ساحبة لذاتها من أيّ ترابط يعيقها، نافضة لنفسها من أيّ تماسك يربك تحرّرها.
وبهذا نفهم تصدر «اللفظة ـ السطر»، المتلون بتشكّلاتٍ عجيبة، وتموقعاتٍ مثيرة، قد نضرب لها مثلاً بـ«اللفظة ـ البيت»، أو «اللفظة ـ السطر»، الذي كان لحضورها أولاً بهذه الصورة المختصرة، التي لا أقلّ منها، إثارة للمتلقي، ودفعه إلى وضع علامات استفهام وتعجب كثيرة إزاءه، وكان لحضوره ثانيًا بعدد مهم إثارة أشد للمتلقي (85 مرّة بما يقارب 10 % من مجمل القصيدة ـ الديوان)، وتموضعات أكثر إثارة، من تصدره للقصيدة أو للجزء أو للصفحة أو للمقطوعة والمُقطَّعة والمَقْطع، ومن ختمه لأحدها، ومن جمعه بين التصدر والختم للجزء الأول، بما له من عمليةٍ تأسيسية مع الصفحة والمَقْطع ـ كما أنّه مثير بتواليه بين بيتين، وبتكراره، وباتخاذه صيغًا أسلوبية، استفهامية أو جوابية.
وفي تموضعها وتلونها ما يكشف عن غِنى الحضور، والتركيز على لفت الانتباه إليها، بالزيادة في كل من ذلك، فيما بين حضورها في أول الجزء (في جزأين من أربعة: الأول والأخير)، وبين تصدرها للمقطوعة والمُقطَّعة والمَقْطع والصفحة. وكما لفتت اللفظة الانتباه إلى نفسها بالتصدر، أصرّت على لفته مرّة أخرى بالختم، فكانت آخر الجزء والمقطوعة والمُقطَّعة والمَقْطع والصفحة.
ولفتت «اللفظة ـ السطر»، إلى نفسها مرّة ثالثة بجمعها بين المَوْقِعين ـ التصدر والختم ـ، في التشكّل الواحد، جزءًا وصفحة ومقطوعة ومقطعة ومقطعًا؛ وبالقرن بين آخر المقطع وأوّل الموالي.
كما لفتت «اللفظة ـ السطر»، إلى نفسها مرّة رابعة بتواليها في بيتين/ سطرين متواليين. وبتواليها في نظامٍ معين، قد تكون السطر الثاني بعد سطر طويل وفي توالي قد يصل خمس مرّات؛ وقد تكون السطر الثالث بعد سطرين طويلين وبتوالي متقارب؛ وقد تتعاقب بعد كل سطر طويل في مقطعٍ كامل.
وكان الالتفات إليها بتكرارها لفظة وتشكَّلاً في عددٍ من الأسطر، ومنها: تكرار «اللفظة ـ السطر»، في قوله: «نيويورك»، و«حان»، و«وحدي»، و«ربيع»، و«تحتكَ»، و«هنالك»، و«لا». وفرضت ذلك الالتفات مرّة سادسة بحضورها بطريقةٍ أسلوبية مختصرة ومركّزة، استفهامية (الحضارة؟! ـ فقط؟!)، وجوابية (نعم ـ لا).
وفرضت ذلك الالتفات مرّة سابعة بتشكيلها للمقطع تشكيلاً هندسيًا يضفي عليه مسحة جمالية جذابة، حتى لأنّه يغدو رسمًا أو شكلاً هندسيًا مجسدًا باللغة ـ بالحرف والكلمة ـ وقد كان ذلك بتشكلين بصريين أخاذين: إمّا أن يتوسط بقصره اللافت ووحدته المتجمعة المقطع الثلاثي ذا الطرفين الممتدين، وإمّا أن يكون آخر الشكل العنقودي من مقطعٍ ثلاثي، أو رباعي، فيبدو متلألأ كأنه ثريّا السماء أو السقوف.
العبور عبر افتتاح واختتام الديوان
تتصدر «اللفظة ـ السطر» القصيدة الديوان، ومن ثمّ فهي تحكم بتبوئها مكانة الصدارة وعلى مستوياتٍ عدة، ما بين تصدر الجزء والمقطوعة والمقطع والصفحة، وتجمع في ذاتها صيغة التشكّل الكتابي والإيقاعي والعددي والدلالي، فقد كان أول القصيدة على الصورة التالية:
«وحدي هنا والآن،
بابي المُنتمي للصيف،
تُفتح باسمه الأبواب».
وكانت خاتمة الديوان ـ القصيدة وخاتمة الجزء والمقطوعة والمقطع والصفحة، وتجمع في ذاتها صيغة التشكّل الكتابي والإيقاعي والعدديّ والحِدة الزمنية والوجودية، على صورة:
«ومن ضيق منفايَ في الراهن الآن،
آتيك يا وطني،
في الأبدْ».
ترسيمة هرمية بالوضعين القائم والمقلوب تجمع بين مدخل الديوان ونهايته/ بين فاتحته وخاتمته: ترسيمة لمربع سيميائيّ يجمع بين بداية الديوان ونهايته/ بين أوّل العبور ونهايته..
المكان | الزمان | ||||||
هنا | الآن | تُفتح | الحاضر المجهول | ||||
أوّل العبور | وحدي | بابي | الصيف | ||||
الأبواب | |||||||
الذات | |||||||
منفاي | |||||||
نهاية العبور | آتيك | وطني | الأبد | المستقبل المريح | |||
2ـ بوابة المداخل أو بوابة اللغة
من عتبات هذا الديوان الفصلية، والتي يحقّ لها بذلك أن تُسمِّي ما تترأسه فصولاً، مداخل لغوية ـ معجمية، مستمَدة من «لسان العرب»، في سطرين على الغالب، تقدِّم فصول السنة الزمنية الأربعة.
ويحقّ للقارئ بعدها أن يُسائل ـ جوابًا على بعض الأسئلة السالفة بعضًا من الجواب ـ هل «الفصل» مفهوم تصنيفي مُستمد من التوزيع الطبيعي، ويلقي بظلاله على الكِتاب؟ وهل ينقل هذا الديوان المفهوم من كِتاب النثر إلى ديوان الشِّعر؟ ويُؤسِّس له منهجًا وتبويبًا وترتيبًا ومداخلًا ودلالات؟ وهل لغير محمد عبد الباري، من المصنفين الشعراء، أن يستعيروه منه، ويدخلوه في دواوينهم، حتى ولو لم يتوفّر لهم ما توفّر له من شروط؟
أعود إلى المداخل اللغوية الفصلية الأربعة، فأجد فيها:
ـ مدخل الصيف، يُقدَّم بـ: «أصاف الرجلُ، فهو مُصِيف: وُلدَ له في الكبر»: «أراح: دخل في الريح».
ـ ومدخل الخريف، يُساق بـ: «الخريف في الأصل… هو اسم مطر القيظ، ثم سُمّي الزمنُ به»: «الشجن… الحاجة أينما كانت».
ـ ومدخل الشتاء، يأتي بصورة: «شتا القوم يَشتون: أجدوا»: «الغربيُّ من الشجر ما أصابته الشمسُ بحرِّها عند أفولها».
ـ وأخيرًا مدخل الربيع، يُورد على شاكلة: «الربيع: الساقية الصغيرة تجري إلى النخل»: «وتقول: رجع عودُه على بدئه، تريد أنّه لم يقطع ذهابه حتى وصله برجوعه».
وتقف هذه المداخل اللغوية بوابات مشرَعَة على الزمن، المختصّ بتمدده واستطالته، والمتميز بدورانه ولولبيته، وعلى اللسان ـ لسان العرب، أو أيّ لسان ـ المختصّ والمتميز بالصفات ذاتها، وفي الآن نفسه المتسِم بمحدوديته وصغر حجمه، وانحشاره في الفم بين ضَغْطَتَيْ الفكين، أو بين دفتيّ الكتاب، ولكنه قادر على أن يحتوي الزمن، وقادر أيضًا، وبطرقٍ سِحرية عجيبة، على أن يتلاعب به، ليُحطِّم حدوده، ولا يحتاج لفعل ذلك شهرًا ولا فصلًا، وإنما يكفيه أن ينتقل من سطرٍ إلى آخر، ومن جملةٍ إلى أخرى، ليحدث كل ذلك القلب العجيب، والزلزال المريع، فيقرِّب الصيف من الريح والواحة، ويداخل الخريف بالشجن والحاجة، ويمازج الشتاء بالجدب والحرّ، ويقرن الربيع بالعود والبدء. ليخلَص في الأخير أنّ الدورة الزمنية بين كماشتيّ العود والبدء، وما بينهما إلا أدنى من قاب القوسين، ورحلته في الغربة، ومعانقته المنفى، قد قُرن بدؤها بعودها، وقُوبل ضيق المنفى برحابة الوطن.
3ـ بوابة التوثيق
وَثَّق محمد عبد الباري ديوانه «أغنية لعبور النهر مرّتين» بتوثيقين، وبالمناسبة للمثنَّى حضور قويّ في الديوان، وله تجلّيات عدة، تتمثّل في اعتماد مقاطع مكونة من بيتين، هي الأغلب على النصّ (121 مقطعًا)، وتشغل خُمس الديوان، وفي السطور المكونة من لفظتين (123 سطرًا)، وتشكّل ثُمن النصّ، وفي حضور صيغة المثنَّى في العنوان (مرّتين)، ويتخلَّل القصيدة في مواقع عدة، وفي الإيقاع الشِّعري الوزني (متفاعلن ـ فعولن)، وفي آخر سطر من الديوان، والذي كان من لفظتين (في الأبد)، وللتوثيق في الشِّعر ـقصائد ودواوين وأعمال كاملةـ حضوران: زمانيّ ومكانيّ، وقد جرَت عادة الشعراء أن يوثّقوا أشعارهم بطريقتين: إمّا في أوّل الشِّعر ـقصيدة وديوانًاـ أو في آخره. ولا نتحدث هنا عن التوثيق الطباعي؛ لأنه لا يُقصد به توثيق الشِّعر، وإنما يُقصد به توثيق الطباعة، زمانًا ومكانًا. وقد يبقى هو الملاذ الأخير والوحيد للباحث عن التوثيق، حينما ينعدم أمامه التوثيق الأصلي للشِّعر ـ قصائد ودواوين وأعمال كاملة.
ولتوثيق الشِّعر فوائد بالغة الأهمية، يمكن حصرها في سبعة، وكلّها تجيبنا على السؤال التالي: «لماذا يوثّق الشاعر شِعره؟»، فكان الجواب:
ـ لحفظ الذاكرة الشِّعرية: إنّ ضبط الزمان والمكان يحفظ الذاكرة الشِّعرية؛ إذ تُذيل بهما القصيدة، والذاكرة لا تزال حيّة، نابضة طريّة، يسهل ضبطها وتقييدها.
ـ للتعبير عن إدراك أهمية التوثيق: توثيق الزمان والمكان؛ إدراك لأهميتهما، ودورهما الفاعل بقوةٍ في بناء النصّ، وضرورة استحضارهما، والاعتراف لهما، وتخليدهما.
ـ للتعبير عن مستوى ثقافة الشاعر المنهجية: فـ الإصرار على توثيق الزمان والمكان؛ تكريس للتمكّن من الممارسة التصنيفية، والبرهنة على ذلك عمليًا.
ـ لمدّ المتلقي بالعوامل الميسرة للفهم: حصر التوثيق؛ إشراك للقارئ في معرفة العوامل الفاعلة في بناء النصّ، لمساعدته على استحضار أبعادها، وإدراك امتداداتها، وتيسير فهم المكتوب له، وتوفير العناصر الممكِّنة من ذلك.
ـ لربط الفكر بالواقع: توقيع القصائد بحصر الزمان والمكان؛ تكريس صورة من صور ربط الفكر بالواقع، وفي مجال قلَّما يُوجِد لنفسه ارتباطًا مباشرًا به، ولمدّ جسور التواصل مع الواقع وعناصره المادية الملموسة.
ـ لتكريس عناصر المنهج التصنيفيّ في مجالٍ معين، والإصرار على تقاسمه مع غيره للغةٍ تصنيفية مشتركة، وثقافة منهجية معممة.
ـ التواصل مع مجالات معرفية مختلفة: يتيح ضبط زمن ومكان القصيدة إمكانية مدّ أواصر التواصل مع مجالات معرفية أخرى؛ لتُسهم بدورها في توفير المزيد من الإضاءة، من أجل تعميق الفهم وتوضيحه.
وأمّا محمد عبد الباري فقد وثَّق ديوانه بالطريقتين معًا، في أوّل الشِّعر وفي آخره، فجمع بين الحسنيين. فكان التوثيق الأول على صورة: «كُتبتْ هذه القصيدة في مدينة نيويورك، في الفترة ما بين يونيو 2020 إلى مايو 2021». وكان التوثيق الثاني على صورة: «نيويورك، مايو 2021». ولكلّ منهما غايته، والفوائد المترتبة عنه. فالتوثيق الأوّل حصر فترة إنجاز تأليف الديوان زمانًا بين يونيو 2020، وماي 2021، وحدد مكان الإنجاز بنيويورك، وبعبارةٍ إنشائية زائدة، وبأسلوبٍ تاريخي، ولطالما ربط الشِّعر نفسه بالتاريخ، وأسهما في بعضهما، والتقيا عند نقاط كثيرة تجمعهما ولا تنفِّرهما، أمّا التوثيق الثاني فقد كان توثيقيًا محضًا، تحدث عن زمن نهاية التأليف (ماي 2021)، ومكانه (نيويورك)، وبعبارةٍ مساوية للحاجة، لا تزيد ولا تنقص عنها.
ولا يمكن لقارئ القصيدة ـ الديوان أن يستغني عن أحد التوثيقين، ولا أن يدلف من الأوّل، وعلى عتبات الصفحات الأولى منه، دون أن يؤطّر قراءته للنصّ، كله أو جزئه، بمحدِّداته، ولا أن يمرق من الثاني دون أن يسترجع ما مرّ معه تحت توجيه موجباته، ولا دون أن يربطه بالأول، ليكْمِل أحدهما بالآخر، وليبحث فيما لم يُقل في واحدٍ دون آخر، وما قِيل، ومبعث ذلك. وحينها يحسّ بأنّ قراءته قد تأطَّرت التأطير الحقيقي والموضوعي والواقعي، الذي أراده لها صاحب القصيدة ـ الديوان.
4ـ بوابات الزمن
إذا كان التوثيق في شقٍّ منه يصبُّ في غايةٍ زمنية، يحدد، وكما رأينا، فترة الإنجاز الكتابي للديوان الواحد، أو يحدّ تاريخ الإنهاء منه، فإنّ الشاعر جعل للزمن بوابات ثلاث، تحكَّمت في طريقة تصنيفه له، وفرضت تقسيماتها عليه، وهي: البوابة السنوية، والفصلية، والشهرية.
ـ البوابة السنوية
لم يصرح بها الشاعر، ولكنّها مستدخلة في منهجه التصنيفي، ومستحضرة فيه بقوة، وبطريقةٍ وكيفية مستضمرة، أعان على كشفها التوثيق الأوّل (كُتبتْ هذه القصيدة في مدينة نيويورك، في الفترة ما بين يونيو 2020 إلى مايو 2021)، الذي حدد مدة كتابة الديوان في سنةٍ ميلادية كاملة، تعطي لهذا العمل صبغة الإنجاز السنوي، وعطاء الشاعر خلال سنة كاملة، بكل شهورها وأيامها، واعتيادها وتقلبها، وروتينيها ومفاجآتها، وحلوها ومرها، وحرّها وبردها، وصفائها وتعكرها، وهنائها وقلقها، وفرحها وترحها، وسعدها ونحسها، وسعادتها وشقائها. وبذلك يقدّم صورة حقيقة لحياة الشاعر السنوية عامةً، وخاصةً في ديار الغربة (المهجر الأمريكي)، وبإحدى قلاعه (نيويورك) الفاتنة والمفتنة، المولِعة والمهلِعة، الطريفة والمخيفة. ويربط كمَّ الإنتاج ونوعه عند محمد عبد الباري بامتداد السنة، بدايةً ونهايةً وتوسطًا، ويمنح معايير قياسه وتقسيمه، والحكم عليه، بالكثير من الدقة والصدق والواقعية. وكان لهذه البوابة، على مستوى التصنيف ومنهجه، تأثير على البوابتين المواليتين، وتحكُّم فيهما، بما سنظهره في الآتي.
ـ البوابة الفصلية
يُعتبر التقسيم الدوري أو الفصلي، تقسيمًا زمنيًا طبيعيًا، وتقسيمًا سنويًا قياسيًا. وقد قسَّم محمد عبد الباري عبوره تقسيمًا فصليًا، يخضع لتقسيمات فصول السنة الطبيعية: صيفًا وخريفًا وشتاءً وربيعًا، مخالفًا الترتيب الطبيعي الذي يبدأ بالشتاء، باعتباره فصل ولادة طبيعي، ومقدما الترتيب الحدثي الواقعي، حدث الرحلة المؤطَّر بفعل الكتابة، والذي يبدأ مع أوّل شهور الصيف (يونيو)، وينتهي مع آخر شهور الربيع (مايو)، كما يفيد بذلك التوثيق، وكما قدّمته المداخل اللغوية:
الفصل | العبارة اللغوية | المقطوعة: من… إلى… | الأشهر: من… إلى… |
الصيف | «أصاف الرجلُ…». | المقطوعات: 1 ـ 3 | يونيو ـ غشت |
الخريف | «الخريف في الأصل…». | المقطوعات: 4 ـ 6 | شتنبر ـ نونبر |
الشتاء | «شتا القوم يشتون…». | المقطوعات: 7 ـ 9 | دجنبر ـ فبراير |
الربيع | «الربيع: الساقية الصغيرة…». | المقطوعات: 10 ـ 12 | مارس ـ ماي |
وقد تلَت كل مدخل ثلاث مقطوعات، مرقمة ترقيمًا عدديًا، مرتبة من 1 إلى 12، لتكون بعدد شهور كل فصل، أو دورة طبيعية، (3 أشهر في كل دورة)، وكان التقسيم وفقًا لذلك (1 ـ 3. 4 ـ 6. 7 ـ 9. 10 ـ 12).
ـ البوابة الشهرية
إنّ اعتماد البوابتين السنوية والفصلية، وما حمَله التوثيق الأوّل من تحديد زمني، امتد على سنةٍ ميلادية كاملة، وأكّده التوثيق الثاني بحصر نهاية السنة (نيويورك، مايو 2021)، وبما حمَله التقسيم الدوري من تقسيمٍ رباعي الفصول، وتضمنه للمقطوعات الثلاث في كل فصل، وحصيلته المجملة باثنتي عشرة مقطوعة، على عدد الشهور الفصلية الثلاثة، والشهور السنوية الاثنا عشر، مما يجعل المقطوعة الأولى التي تحمل رقم 1 موافقة لشهر يونيو 2020، والمقطوعات الأخرى تتوالى رقميًا حسب توالي شهور السنة، وإلى شهر ماي 2021، الموافق للمقطوعة رقم 12.
وقد ساعدتنا هذه البوابة على ضبط ما أُلِّف في كل شهر، وبشكلٍ حصريّ وأكثر تحديدًا، كما ساعدتنا البوابة الفصلية على ضبط مقطوعات كل فصل طبيعي، وإن بشكلٍ أوسع.
إنّ هذا الحصر الزمنيّ ببوابةٍ سنويّة مفتوحة، تبدأ في الصيف مع البوابة الفصلية، وتضيق بشكلٍ أكبر، وتنحصر في بوابةٍ شهريّة، بهندسةٍ تصنيفية دقيقة، ووعيّ زمني عميق، قليلاً ما يتحقَّق عند المصنفين، شعراء وناثرين، يثير من الإعجاب، ويستحقّ من الإكبار، ما يترجم درجة الوعيّ التصنيفي عند محمد عبد الباري، والدقة المنهجية، وملامحها العملية والتنزيلية.
وهذه البوابة الزمنية التي تبدأ مصغرة بالشهر، وتتوسط مع الفصل، وتنمو به، لتكتمل بالسنة، تحمل في طياتها الوحدة الزمنية المكتملة والناضجة، والتي غدَت إحدى مقومات الكتابة الشِّعرية في هذا الديوان ـ القصيدة على وجه الخصوص، وفي الشِّعر عند محمد عبد الباري بوجهٍ عام. وستقف مسنودة بمقومين آخرين هما الوحدة المكانية (نيويورك)، والوحدة الموضوعية (الهجرة والاغتراب)، لتقف شامخة، وتعلي راية هذا الديوان في ساحة الإنتاج الشِّعري العربي، الحداثي والمعاصر.
5ـ بوابة الإهداء
يعدّ الإهداء إحدى بوابات التصنيف وعتباته الأساسية، التي اعتادها التأليف العربي ـ الشِّعري والنثري ـ والتي أصلها التصنيف العربي ضمن تقاليده الأساسية، بصورٍ ليس هذا محلّ عرضها، وبسط القول فيها، ولقد سَار محمد عبد الباري على اعتماد بوابة الإهداء، وكان نصّها:
«إلى والدتي: أم كلثوم القاسم،
إلى السيدة الجليلة التي جاءت بي إلى الوجود مرّة واحدة،
ولكنّها ما زالت تَلدني كل يوم،
أُهدي هذا الكِتاب».
يحمل الشاعر هدية العبور، التي ربحها من الرحلة، ويعتزّ بها لقربها من نفسه، وغلاوتها عنده، وليسترصد بها أغلى من يمكن أن تُقدَّم إليه، والذي «ما زال معه كل يوم»، في تواصل مباشر، كأول ما كان التواصل. وعلى ذلك يحكم التقديم المُهدى إليه بلغة الإهداء بدءًا بالمتعلق «إلى»، المكرر في مطلع السطرين الأول والثاني، والمُهدى إليه الذي يحضر بصورٍ خمس، لا تشبه الواحدة الأخرى، وكل منها ترصد حقيقته، ولكنها تغنيها، وتفصِّل فيه: مرّة بالاسم (أم كلثوم القاسم)، وأخرى باللقب (الوالدة ـ السيدة)، وثالثة بالصفة المفردة (الجليلة)، والمركبة: الثابتة (التي جاءت بي إلى الوجود مرّة واحدة)، والمُستدرَكة (لكنها ما زالت تَلدني كل يوم). ويتأخّر فعل الإهداء (أُهدي)، متلبسًا بالمُهدِي، ومتلوا بالمُهدَى، أو الهدية (هذا الكِتاب)، عن مكانته الأصلية، وقد كان حقّه التقديم على كل المتقدّمين السابقين (المتعلّق إلى ـ المُهدَى له).
وتجدر الإشارة إلى أنّ الإهداء محكوم بأمرين:
ـ محكوم بالقدسيّة: متجليّة أولًا في المُهدَى، أو الهدية، وبعبارةٍ تجلّلها هالة القداسة (هذا الكتاب)، وهي عبارة إسلامية بامتياز، وكثيرًا ما نعت بها القرآن الكريم نفسه، وانتعتت بها رسائل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ومتجليّة ثانيًا، في قداسة الأم، التي أوصى بها الرسول الكريم ورفعها بثلاث رتب عن صنوها (الأب)، في الحديث الشهير (قال: أمك؛ قال: ثمّ مَن؟ قال: أمك؛ قال: ثمّ مَن؟ قال أمك)، وفي الحديث الآخر (الجنة تحت أقدام الأمهات)؛ واستجلاء قدسيتها ثالثًا، في التعبير عنها باسمها المركّب (أم كلثوم القاسم)، ولقبيها (الوالدة ـ السيدة)، وصفتيها الثابتة (التي جاءت بي إلى الوجود مرّة واحدة)، والمستدرَكة (لكنها ما زالت تَلدني كل يوم)؛ ومركَّزة رابعًا، في تخصيصها بالإهداء دون غيرها.
ـ محكوم بالمسألة الوجوديّة: التي أُثيرت حين ذِكْر المُهدى إليها (السيدة الوالدة)، والاعتراف لها بأنها كانت الأم الولود، التي أتت ـ وقد استُعمل هنا الفعل «جاءت»، وليس ولَدت ـ بالشاعر إلى الحياة، فهي أصل الوجود الحقيقي، الذي لا يتكرر (مرّة واحدة)، وهي أيضًا أصل الوجود المجازي، وقد اُستعمل له فعل «تَلدني»، للدلالة على الفعل الإنساني المتجدد يومًا بعد يوم (كل يوم)، فالشاعر يولد كل يوم. ومن كان وراء هذا الحدث العظيم ـ أصل الوجود وفعل الخلق ـ ويكون خلف تجدده باستمرار، فهو إنسان جدير بأن تُهدى له ثمرات الوجود، أو على الأقلّ بعضها. ولعلَّ حلول الشاعر بمدينة نيويورك كان ولادة جديدة له، وكل يوم يعيشه في العالم الجديد، بما يصادفه من وجوهٍ متجددة، وتجارب جديدة، وإيقاعات حياة مختلفة، وأحاسيس متولدة، تتبدل كل يوم، وتزيد تعمقًا ونضجًا، وانعكاسًا وتفاعلًا، وتتغير آثارًا وامتدادًا، وانصدامًا وارتدادًا، وانغماسًا في الحيرة، وغرقًا في القلق، وانشداها بالشرود، واستئسارًا للتيه، والتفافًا بالضياع، وتساؤلًا واستشكالاً. وربما كانت نهاية القصيدة ـ الديوان آخر الولادات النيويوركية، لتكون نهايته إعلان انطلاقة جديدة، وولادة متجددة. ويبقى غياب وضع نقطة النهاية على آخر الإهداء، على الرغم من الإصرار على وضع الفواصل والنقط داخله، من المؤشرات الخفيّة، الخفيفة والدالة، على استمرار الولادة وتجددها، والإصرار على عدم وضع نقطة النهاية لتجربةٍ اكتملت، ولكنّها لم تنته، ولوجود آثر التغيير، ولم يرضى بالتوقف.
ويُعتبر هذا الثالوث ـ الارتباط بالأم، والقداسة، والوجود ـ مفاتيح أساسية، لا يُبنى عليها إهداء الكتاب فحسب، وإنما يمنح القارئ نصيبه من الإهداء، ويحصل فيه على مفاتيح القراءة والفهم، ومرتكزات التأويل.
6ـ بوابة الرسم
ـ الكتابة بالرسم والرقم الحرف
أوجد الشاعر محمد عبد الباري لنفسه قاسمًا مشتركًا بين ألوان الكتابة التي أرادها لديوانه، فقد خطّ ديوانه باللغة، وهذا عاديّ مُشاع، وخطّه بالرسم، أو الشكل، وهذا يعمّ جزءًا لا بأس به من الدواوين، وعددًا من الشعراء، الذين يصرّون على التعبير بالرسوم، وبذلك فإن الشاعر لم يحبذ أن يكتب باللغة فقط، وإنما كتب بالرسم أيضًا.
فقد تضمّن الديوان «أغنية لعبور النهر مرّتين»، اثني عشر رسمًا، بعدد مقطوعاته، وكان الرسم يتقدَّم على المقطوعة المرقمة، مما يجعل العنوان الرقمي ـ1 مثلاًـ فاصلاً وقاطعًا مشتركًا بينهما، تتقاسمانه أو تتنازعانه، ويتيح لهما بذلك أن تتقاسما الموضوع، أو المضمون، وتشتركا فيه، وتمتاحا منه، وتصبّا فيه. تتوزعانه وفي الآن نفسه تتنازعانه، ويحاول كل منهما الاستئثار بما يُحْرم منه الآخر، أو يقلّ حضوره لديه، ومعالجة ما لم يعالجه صديقه ـ غريمه، وتناول ما أغفله جاره ـ منافره، والانتباه إلى ما ظلّ متواريًا، أو متمانعًا، عن مُصالحه ـ منازعه، والتنبه إلى ما كان خافيًا، أو غائبًا، عن مقاسمه ـ منافسه. ولعلَّ تواجد العنوان الرقمي بينهما ـ والأرقام لغة ثالثة غير الرسم والحرف ـ يقول كل هذا، فهو المنطقة الحرّة إن كان ما يربط الطرفين (الرسم والحرف) تقاسمًا، والمنطقة المتنازع عليها إن كان ما يربطهما منافسةً وصراعًا.
وعلى هذا فالرسوم تقسّم هي الأخرى بدورها لنفس التقسيمات التي خضعت لها المقطوعات اللغوية، فهي تُقسَّم تقسيمًا دوريًا طبيعيًا، وتعنوَن بعنوان الفصل: 1 ـ 3 صيفًا؛ 4 ـ 6 خريفًا؛ 7 ـ 9 شتاءً؛ 10 ـ 12 ربيعًا. ويبقى التقسيم الفصلي تقسيمًا ضمنيًا محكومًا بالمدخل اللغوي، ومستنبطًا منه، أو محكومًا بالعنوان الرقمي، والخاضع للتقسيم الزمني الشهري، والمحكوم بالتوثيق الزمني، الذي يرهن كل رقم زمنيًا للتقسيم الشهري، وتصنيفيًا للمقطوعات، ويبدأ بشهر يونيو، وينتهي بشهر ماي.
ـ أسود في أبيض
بدءًا اللغة والرسم كلاهما خطّ ورسم، ويترسخ ذلك كلَّما اُعتمد نفس اللون، وقد كان ذلك أسود في أبيض عند محمد عبد الباري. وحتى إنّ غلب السواد فإنه يترك مساحة، ولو برأس إبرة، للبياض، مما يجعلني أعتبر أنّ الرسم، وإن كان في الأصل سوادًا على بياض، إلا أنّه غدا في صورته النهائية باللونين الأسود والأبيض، بما يحمله هذان اللونان من تاريخية مضويّة، ودفء وحنين، وفي الوقت نفسه من كآبةٍ وجهامةٍ بسبب غياب الألوان. وقد يفهم الرائيّ من هذين اللونين، ومن الطريقة الفنية المستعملة، ببساطتها، ولكنّها البساطة الممتنعة، واليُسر الممانع، وبسب الأداة المستعملة في الرسم ـ قلم الرصاص ـ، ولكنه الرصاص المصيب للمحز، وبفضل التقنيات التركيبية والدقيقة، التي لجأت إليها الرسومات جميعها.
تقبع هذه الرسوم ما بين الأسود، الذي يغالب الأبيض ـ فيغلبه حينًا، وينغلب له حين آخر ـ فيكتسح المساحات بخطوةٍ بسيطة، أساسها النقطة، المحدودة الحجم، السهلة الوضع، فينقطها تنقيطًا، يغدو سطورًا وبقعًا وأشكالاً وزخارف وتزاويق وتزايين، ويحول مسطحها إلى مكعب، ومحدودها إلى ممتد، ومبسوطها إلى مشكَّل، وخاليها إلى مزخرف، وحاليها إلى مزوَّق، وعاريها إلى مزيَّن.
ـ رسم وقصيدة
حينما نقف على هذا العنوان يدفعنا إلى معادلةٍ غير عادلة، وإثارة متسائلة، مفادها: أهو الشِّعر رسمًا؟ أم الرسم شِعرًا؟ وعلى هذا فإنها تنقلب إلى استشكالٍ مربك وعميق، يطرح المساءلة الموضوعية، والتراتب الزمني: أيهما السابق؟ وأيهما اللاحق؟ والذات المنتجة للفكرة، أهي ذات واحدة أم ذاتان؟ فإن كانت ذاتين، فمتى كان التقاؤهما؟ وكيف؟ وما مستوى التقائهما؟ وما درجة انصهارهما؟ وما هي مرتكزات التلاقي والتفاهم والانصهار؟
وبالرجوع إلى التوثيق للرسوم (ص 4)، والتي نُسبت إلى الفنانة الجورجية تامطا أرفيلادزي Tamta Arveladze، يمكن للمتلقي أن يتساءل عن درجة إسهام الفنانة في ديوان «أغنية لعبور النهر مرّتين»، أليس عبور الكتابة وعبور الرسم هو العبور مرّتين؟ وعلى أيّ شراع يعبر المتلقي أولًا؟ أيعبر على شراع اللغة؟ أم يعبر على شراع الرسم؟ وأليست الأشرعة إلاّ صفحات مشرعة مرسومة ومكتوبة، يطغى عليها الرسم تارة، والبياض تارة أخرى؟ وللسواد من الأشرعة نصيب أكبر حينما تكون أشرعة القراصنة، وتعتمد الرسوم وليس الكتابة. ولا ينجم بعضها من أن يكتبه رذاذ الملح، وزخّات المطر، ولفح الشمس، وتمزيق الرياح، وهو تداخل وعلى مستوىً آخر.
إنّ للغلاف دور تأسيسيّ في الجمع بين العبورين: اللغة والرسم، مشكلًا للغة بالرسم (حرف الهاء من النهر)، ومردفًا لها بالرسم لجسرٍ نهريّ طويل، ممهدًا لهذه المزاوجة، التي تبقى في معظم الأعمال وعدًا غير متحقَّق، وإن تحقَّق فبلمساتٍ خفيفة، غير أنها عند محمد عبد الباري وفي ديوانه هذا تتحقَّق بشكلٍ منضبط ومتوازن مع الكتابة (اثنا عشر رسمًا لاثنتي عشرة مقطوعة).
ـ ألا زلنا بصدد ديوان شِعري لمؤلِف واحد؟
وعلى مستوىً آخر، يمكن جدًا بعد إقرارنا بإسهام الرسم في الديوان، أن نثير مسألة التصنيف، وكم من مساهمٍ في التصنيف؟ أيحقّ لنا الحديث عن التأليف المشترك؟ كما يمكن لنا أن نثير تساؤلات قوية حول طبيعة النوع؟ ألا زال يصلح الحديث عن الديوان الشِّعري؟ أم ديوان الشِّعر بالرسم؟ أم كتاب رسم بالشِّعر؟ أم ديوان الشِّعر والرسم؟ أم الكتابة باللغة والريشة؟ أم ديوان تلاقي الفنون وتواصلها: فَنَّيْ الرسم والشِّعر؟
لتكن التسمية المناسبة، والتي يمكن أن يرسخها التداول النقدي، ولكن لا يسعنا إلاّ الإقرار بأنّ الظاهرة تستحقّ الاهتمام، وتخلخل الكثير من القناعات، وتمهد لبناء تصوراتٍ جديدة.
كما أنّه يمكن الانتقال إلى مستوىً آخر من الأسئلة: ما الذي يوضح الآخر: الرسم أم الشِّعر؟ وما الذي يفسِّر غيره؟ وما الذي يختزل غيره؟ وما الذي يكثّف غيره؟ أهما إنجاز متواز؟ أم أنّ أحدهما كتابة على هامش الآخر؟ ما هي علاقة التداخل بينهما؟ وما مستوياتها؟ أيمكن أن نتحوّل من الحديث عن التناصّ إلى التداخل بين الرسم والنصّ فنتحدث عن «التراصّ»؟ أيّ تداخل الرسم (ر) والنصّ (ص).
ما مستويات التداخل؟ وما درجاته؟ وما أشكاله؟ تجرّنا الأسئلة إلى إثارة مسألة مرتبطةٍ بها، وهي:
ـ السابق واللاحق
هل يمكن حين الحديث عن تداخل النصوص أن نميّز بين المؤثِّر من المتأثِّر، دون الحسم في تحديد السابق من اللاحق؟ هل يمكن أن نحدد السابق من اللاحق دون توضيح من صاحبيّ العملين؟ أهما عملان أم عمل واحد؟ وهل هذا التصنيف كان قبل إخراج الديوان أم بعده؟ وما دور إخراج الديوان في تحقيق ذلك؟ هل كانا مستقلين قبل أم أثناء أم بعد إخراج الديوان؟ أم أنّ ذلك يتفاوت، وبدرجاتٍ مختلفة، من رسمٍ إلى آخر، ومن مقطوعةٍ إلى أخرى؟ كيف السبيل إلى ذلك؟ ألا يحتاج المتلقي إلى توضيحات كاشفة وحاسمة من المساهمين في العمل، أو من أحدهما على الأقلّ؟
ـ وشائجية الموضوع
بالنظر إلى محتوى الرسوم، فبالإمكان المتأمل فيها أن يدرك، ومنذ الوهلة الأولى، أنّ محتوياتها تختلف من رسمٍ إلى آخر، وهكذا يمكن أن نقرب تلك المحتويات بوضع عباراتٍ تقريبية كالعناوين لذلك، وهي للرسوم على الترتيب:
1ـ الشمس والأرض والبحر: الميناء | 7ـ نواة مجتمع مخرومة |
2ـ تمثال الحريّة الجاثم على الوجوه، كأنها أسس شعلته | 8ـ المدينة الغول تلتهم الجميع |
3ـ الوجه الزنجيّ المزخرف | 9ـ المدينة الضاغطة على أهلها، كصخرة سيزيف |
4ـ نبات متجدر | 10ـ زركشات ربيعية |
5ـ دوامة المدينة | 11ـ رأس يتأرجح بين أشياء عديدة |
6ـ امرأة واضحة ورجل مركب | 12ـ رأس مليء بتفاصيل شرقية، حنينٌ وعودة |
ومن هذه العناوين التقريبية للرسوم، ومن خلال التمعّن فيها أيضًا، يمكن أن نحدد ثيماتها الأساسية: زمنًا وفضاءً وإنسانًا في مختلف علاقاته ـ بذاته وفضائه ـ وحياته.
ومن هنا يمكن أن نسطر على أنّ العمل الزمني للفصول، حاضر، وإن بنسبةٍ محدودة، إما من خلال العناوين المقترحة (الصيف: تشققات الأرض ـ الخريف: نبات متجدر ـ الشتاء: نواة مجتمع ـ الربيع: زركشة)، وإما من خلال الثيمات الحاضرة في الرسوم (النبات ـ الغابة ـ الحيوان).
كما أنّ فضاء المدينة حاضر بالعمارة والطرقات (2)، ومحدَّد بتمثال الحرية، وملتبس بفقد الملامح (2)، وبالتواءاته وانعراجاته وتعقيدياته (1)، تقديم نيويورك على أنّها المدينة التنين، أو الحيوان الخرافي، بما يحكمها من تكدس وزحمة وتراتبية، وطبقية طاحنة، وتعقيد علاقات، والتواء أساليب (8)، وتقديمها صورة للمجتمع المدنيّ المُتحضر، مجتمع المظاهر المعقدة، والشكليات المثيرة والساحرة (10. 11).
ولساكنيّ المدينة واختلاف أصولهم (3)، وهمومهم وأحزانهم (11. 12)، وآلامهم ومعاناتهم (6. 11. 12)، وأفراحهم ومغامراتهم وصمودهم ونضالهم وقتالهم (12)، وغموضهم وحيوانيتهم (12)، وتكدسهم وتغالبهم (2. 12)، وفقدهم الثقة والاحتراز والتهيب (12)، وما يعيشونه من عُقدٍ ونواقص (7. 11. 12)، والتحرر من قيود المحيط (5)، وآمالهم وأحلامهم (12)، وترصداتهم وتأملاتهم واختلاف نظراتهم (5. 6. 9 .11 .12)، والسباحة في الأعماق والعالم السحابي (5)، واحتفائهم بالمظاهر والجمال (3. 4. 10).
وفي علاقة الإنسان بذاته كان من خلال تشيئ الذات وتعليبها (12)، وإما بالجمع بين الرجل والمرأة، التي تسند ظهره، وتستر مؤخرة رأسه، وتعطي للحياة طعمًا بجمالها (6)، وتتحدث عن ثقافة النوع باعتبارها نواة المجتمع (7).
وفي علاقة الإنسان بفضائه (نيويورك)، يُقدّم في صورة المنسلخ عن مدينته، الذي ينظر إليها بحزن وتشاؤم (5)، المواجه بانغلاق الأفق (مواجهة الجدار)، الضاغطة له بمتطلباتها وتقلباتها وتناقضاتها وتضادها في العمران والأوضاع ومستويات العيش، والساحقة لتطلعاته (9).
وقدّمت لنا الرسوم أخيرًا صورًا عن الحياة بتفاصيلها المختلفة، وتشابكاتها المعقدة (7)، واسترجاع ماضيها وأحداثها المؤلمة، ومواجهة تقلباتها الحديثة (12).
تركيب
افتتحتُ هذا المقال بأنّ الشاعر السوداني الجميل محمد عبد الباري غنَّى؛ ليعبُر النهر مرَّتين، وأنّ القارئ سيحتاج بعده لعبور النهر نفسه مرّات ومرّات، وأنّ الناقد سيعبُره بعدهما إلى ما لا نهاية؛ ولذلك أسهم النقد بفتح هذه البوابات السِّت للولوج عبرها إلى نهر محمد عبد الباري، الذي سيحتاج ـ أيّ النقد ـ مع كل واحدة منها إلى قرعها قرعًا، يصده إحكامها صدًا، ويرتد عبر اليد القارعة صدى، فيخضّ كيانه خضًّا، ويهلعه كهول القارعة، وما أدراك ما القارعة، لحظة يكون النقاد كلهم عيونًا منفتحة، وألسنة مرتِّلة، وآذانًا صاغية، وقلوبًا واعية، وعقولاً مستفسِرة، وعزائم مهنَّدة. وتكون القصيدة ـ الديوان كلها أبوابًا موصدة، ومعابر ملغمة، ومفاتيح ضائعة، وتمتمات موجِزة وموجَزة. وتبقى القراءة مغامَرة مراغِمة، ومراوَدة مراوِضة، ومجاهَدة مجالِدة، ومشاكَسة معاكِسة، ومناوَشة مشاوِسة، حتى ينفتح المقفَل، ويُمهَّد المعبر، ويُوطأ المسلك، وتتوالى الدلالات، سخيّة رخيّة، سهلة وطيّة، مطاوعة معاطية، متدفقة مِهراقة، متلألئة مشراقة، تستحلي لذة العبور، وتنتشي بتراقص الموج، وتنتعش برذاذ النهر، وتنشرح بأغاني الملاّحين والعابرين، يقودهم مايسترو أغنية العبور: محمد عبد الباري.
المراجع
المختار النواري، دكتور لغة عربية، أستاذ جامعي.
1ـ هذا المقال يتبع برقم ثانٍ: 2 ـ مستوى التلوينات الإيقاعية.
2 ـ صدرت لمحمد عبد الباري بعنوان “أغنية لعبور النهر مرّتين”، في قرابة 100 صفحة، بطبعة أولى سنة 2022، وطبعة ثانية في السنة نفسها، وجميعها عن دار صوفيا، الكويت. صمّم الغلاف الفنان: عبد الرحمن الفايز، وتضمن الديوان 12 رسمًا للفنانة تامتا أرفيلادزي Tamta Arveladze، التي خصّها الشاعر بعبارة شُكر خاصة (ص 4).
3ـ شرح المعلقات السبع الزوزني ـ486ه: 9
4ـ نفسه.
5ـ فتح الكبير المتعال: 1/ 22.
6 ـ طبقات الشعراء المحدثين: 240 ـ 241. الوزراء والكتاب: 211. ـ شرح المعلقات السبع الزوزني ـ486ه: 9
7ـ الفهرست: 232.
8 ـ انظر فى ترجمة أبان وأخباره وأشعاره: الأغانى (طبعة الساسي): 20/ 73. الأوراق للصولى (قسم أخبار الشعراء)، طبع مطبعة الصاوى: 1 – 52. طبقات الشعراء المحدثين: 202 وما بعدها، و 241. الوزراء والكتّاب: 218. الحيوان: 4/ 447 وما بعدها. تاريخ بغداد: 7/ 44. النجوم الزاهرة: 2/ 167.
9 ـ نشرها في جريدة “المؤيد” سنة 1328هـ/ 1910م في 190 بيتًا.
10 ـ كتبها شوقي سنة 1329هـ/ 1911م وجاءت في 78 بيتًا.
11 ـ دبَّجها سنة 1331هـ/ 1914م، وهي في 71 بيتًا.
12 ـ كان نظمها سنة 1334هـ/ 1917م وجاءت في 131 بيتًا.
13 ـ نظمها في 187 بيتًا، وأنشدها بمدرج وزارة المعارف، درب الجماميز بالقاهرة، مساء يوم الجمعة 8 فبراير 1918.
14 ـ نشرها في المقتطف، ديسمبر، 1919م، في 260 بيتًا.
15 ـ الأدب العربي المعاصر في مصر: 79، 113.
16 ـ كتبها سنة 1924م، ونشرها سنة 1927م فيما يزيد على 200 بيت.
17 ـ صدرت سنة 1964.
18 ـ عن المقاوِمة الجزائرية جميلة بوحيرد، نشرها سنة 1962. المسرح الشِّعري عند عبد الرحمن الشرقاوي، إعداد: سمية زياش إشراف مصطفى سواق، رسالة ماجستير، الموسم الجامعي 90 ـ 1991، الجامعة الجزائرية.
19ـ صدرت سنة 1953.
20ـ صدرت سنة 1969.
21ـ صدرت سنة 1966.
22 ـ صدرت سنة 1975.
23ـ صدرت سنة 1982.
24ـ نُشرت في مجلة أبوللو، العدد السادس، فبراير 1933، في 307 أبيات.
25 ـ في 3000 بيت شِعري. أشرف على تصحيحه ومراجعته: محمد إبراهيم الجيوشي، ط. 1، 1383ه/ 1963، مكتبة دار العروبة، القاهرة.
26ـ صدرت عن المطبعة السلفية سنة 1926.
27 ـ أخرجها للقرّاء سنة 1926، عن الدار نفسها.
28 ـ صدر في فبراير 1948، عن دار العلم للملايين. وصدرت الطبعة الثانية عن الشركة العربية للوكالات والتوزيع، 1972، البحرين.
29 ـ متضمنة في ديوان فدوى طوقان صص 266 ـ 306.
30 ـ صدرت سنة 1897 ـ 1903.
31 ـ صدر ديوانه سنة 1935.
32 ـ ألّفها سنة 1929، في 433 بيتًا.
33 ـ نظمها في 447 بيتًا، وطبعها سنة 1322ه/ 1904م بمطبعة الجريدة بمصر، وهي معارضة لقصيدة البردة البوصيرية.
34 ـ حول الملك عبد العزيز آل سعود، أخرجها سنة 1957.
35 ـ نظمها ما بين 1346 و 1350ه، وجاءت في 132 صفحة، طبعت في القاهرة في حدود سنة 1929، بتقديم محمد علي الطاهر، ثمّ أُعيد طبعها في الدوحة عام 1982، بمراجعة: عبد الله الأنصاري، وطُبعت ثالثة سنة 2014، تحت إشراف: خليل هنداوي. æáå ÞÕíÏÉ “ÇáÎÈÑ æÇáÚíÇä” Ýí ÊÇÑíÎ äÌÏ Ýí 500 ÈíÊ¡ äÙãåÇ ÎáÇá ÓäÊí 1947 æ 1948ã.
36 ـ الديوان نفسه، صص 411 ـ 440، في 495 سطرًا.
37 ـ ضمن ديوان أنشودة المطر، 1960، صص 441 ـ 455، في 297 بيتًا، وأربعة قطع مرقمة.
38 ـ الديوان نفسه، صص 456 ـ 482، في 421 سطرًا، و 8 قطع مرقمة.
39- وعندما نشر الشرقاوي قصيدته الطويلة “رسالة من أبّ مصري إلي الرئيس ترومان”، عام 1951، ونشرت سنة 1962، ثمّ أخرجت مع قصائد أخرى في ديوان “من أبّ مصري وقصائد أخرى”.
40 ـ وجوه نشرها في مجلة الآداب البيروتية العدد الأول بتاريخ 1 يناير 1958، وهي في الديوان 138 سطرًا، صص 33 ـ 39.
41 ـ بتاريخ حزيران 1982، نظمها الشاعر في مدينة بيروت والاجتياح الإسرائيلي لها من ديوان “أبدًا إلى المنافي”، ط. 1، دار الملتقى للنشر، قبرص، ص 58.
42 ـ أتت القصيدة في 127 مقطعًا، وهو يرصد أثر نكسة حزيران 1967، متضمنة في ديوان “الحمى الترابية”، الذي صدر سنة 1969.
43 ـ قصيدة يرثي بها وطنه، ويتقمص فيها الشاعر شخصية قطريّ بن الفجاءة، وهي متضمنة في ديوان “الحمى الترابية”، الذي صدر سنة 1969.
44 ـ من ديوان “لم يبقى إلّا الاعتراف”، الصادر سنة 1965، في 42 سطرًا، ضمن ديوان أحمد عبد المعطي حجازي، صص 359 ـ 363، والقصيدة غير مؤرخة في الديوان.
45ـ من ديوان “لم يبقى إلا الاعتراف”، في 45 سطرًا، ضمن ديوان أحمد عبد المعطي حجازي، صص 316 ـ 320، والقصيدة غير مؤرخة في الديوان.
46ـ عدد أبياتها 93 بيتًا، وجاءت ضمن ديوان يحمل عنوانها: “البكاء بين يديّ زرقاء اليمامة”، وهو الديوان ألأول للشاعر، صدر سنة 1969، ضمن الأعمال الكاملة صص 95 ـ 101، وهي مؤرخة بـ 13/ 06/ 1967.
47ـ جاءت في ديوان “البكاء بين يديّ زرقاء اليمامة”، ضمن الأعمال الكاملة، صص 102 ـ 106، في 51 بيتًا، وكتبها في سبتمبر 1967.
48 ـ من ديوان: جهات الروح، 1983، الأعمال الكاملة، الجزء الثاني، صص 588 ـ 614، وهي مؤرخة بـ 15 كانون الأول 1981.
49 ـ من ديوان: “لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي”، ضمن الأعمال الكاملة، صص 27 ـ 43، وعدد أبياتها 327 سطرًا.
50 ـ وردت ضمن الأعمال الكاملة، صص 48، في 298 بيتًا.
51 ـ من ديوانه الأول: “أغاني مهيار الدمشقي”، 1961، دار مجلة شعر، بيروت.
52ـ من ديوان: “المسرح والمرايا”، في 255 صفحة، 1965 ـ 1967، منشورات دار الآداب، بيروت.
53 ـ نظم جزأها الأول (أيام الصقر) في ربيع 1962، والبقية ما بين أيلول 1963 و أيلول 1964، فيما يقارب 700 بيت.
54ـ ضمن ديوان أنشودة المطر، 1960، صص 381 ـ 387
55ـ كتبها بين سنتيّ 1969 ـ 1970، ونُشرت ضمن منشورات إتحاد الكتّاب العرب، دمشق، 1975، في 61 صفحة.
56- صدر سنة 1966، في 72 صفحة، وهو بمثابة سيرة لعُمر الخيام.
57 ـ صدرت إثر مقتل زوجة الشاعر بلقيس سنة 1981، فكتب يتغنَّى بحبّها ويرثيها والعالم معها، في بيروت بتاريخ 15/ 12/ 1981، بمقدار 410 أبيات وفي 20 صفحة، عن منشورات نزار قباني في السنة الموالية.
58 ـ الجدارية، نشرت سنة 2000، عن دار الريس، بيروت، في 54 صفحة، وما يقارب 1121 سطر.
59 ـ 1996، دار الذاكرة، حمص.
60 ـ 2003، منشورات اتحاد العرب، دمشق.
61ـ في 3 مجلدات وما يقرب من 7000 بيت، 2007، المبدعون، يبرود.
62 ـ الطبعة الأولى، 2012، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش.
63 ـ الطبعة الأولى، 2021، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش.
64 ـ أنتِ القصيدة، الاهتزاز السابع، مؤسسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال، مراكش، 2015.
65ـ على النهج، الطبعة الأولى، 2015، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش.
66ـ نُشرت بمجلة مدارات الثقافة المغربية، خلال سنتيّ 2021 و2022.
67ـ أغنية لعبور النهر مرّتين: 9.
68 ـ نفسه: 27.
69 ـ نفسه: 49.
70ـ نفسه: 73.
71ـ أغنية لعبور النهر مرّتين: 9.
72 ـ نفسه: 27.
73 ـ نفسه: 49.
74 ـ نفسه: 73.
75 ـ نفسه: 11 ـ 26.
76 ـ نفسه: 29 ـ 48.
77 ـ نفسه: 51 ـ 72.
78 ـ نفسه: 75 ـ 95.
79 ـ تمتد كل مقطوعة على الصفحات المحصورة بين قوسين، وهي بالتتابع: (11 ـ 15) ـ (17 ـ 21) ـ (23 ـ 26) ـ (29 ـ 33) ـ (35 ـ 41) ـ (43 ـ 48) ـ (51 ـ 55) ـ (57 ـ 63) ـ (65 ـ 72) ـ (75 ـ 77) ـ (79 ـ 87) ـ (89 ـ 95).
80 ـ تتواجد بالتتالي في الصفحات التالية: 10 ـ 16 ـ 22 ـ 28 ـ 34 ـ 42 ـ 50 ـ 56 ـ 64 ـ 74 ـ 78 ـ 88.
81 ـ ملحوظة: إذا كانت الأرقام في توثيقات الهوامش عبارة عن رقمين يفصل بينهما خطّ مائل: فالأول لرقم السطر من الصفحة، والثاني لرقم الصفحة من الديوان.
82ـ أغنية لعبور النهر مرتين: 1/ 11. 5، 8/ 12. 12/ 13. 6، 14، 15/ 15. 13/ 20. 4/ 23. 3، 8/ 24. 7/ 26. 7/ 29. 4/ 30. 3، 10/ 35. 1، 2، 8، 9، 15، 16/ 36. 1، 14/ 37. 9/ 43. 16/ 48. 3/ 51. 3، 7/ 52. 7/ 53. 3/ 55. 9/ 57. 10، 15/ 58. 14، 17/ 59. 3، 5، 8، 10، 12، 14، 16، 19/ 60. 3/ 61. 7/ 62. 7، 9، 12/ 63. 9/ 65. 5/ 66. 1، 3، 10، 15/ 67. 1/ 68. 5/ 70. 4/ 71. 2، 5، 7/ 72. 1/ 75. 3، 10، 11/ 76. 5، 9/ 77. 1، 7، 9/ 79. 2، 6، 10/ 80. 4، 5، 10، 21/ 81. 1/82. 8، 21/ 83. 11/ 86. 10/ 91. 3/ 92. 3، 6/ 93.
83 ـ أغنية لعبور النهر مرّتين: 11.
84 ـ نفسه: 1/ 11. 1/ 75. 1/ 79.
85 ـ نفسه: 11، 36، 37، 54، 55، 67، 68، 75، 79، 82.
86ـ نفسه: 11، 75، 79.
87ـ نفسه: 3، 10/ 35. 1، 9/ 36. 1/ 37. 7/ 79.
88ـ نفسه: 1/ 11. 8/ 12. 12/ 13. 4/ 23. 7/ 29. 4/ 30. 9/ 43. 15/ 48. 3/ 51. 7/ 52. 1/ 67. 1/ 68. 4/ 71. 1/ 75. 3، 11/ 76. 5، 9/ 77. 1/ 79. 3، 6/ 93.
89ـ نفسه: 1، 8/ 36. 9، 16/ 36. 1، 14/ 37. 1، 3/ 67.
90ـ نفسه: 14، 15/ 15. 1، 2/ 36. 8، 9/ 36. 15، 16/ 36. 4، 5/ 54.
91 ـ نفسه: 3، 6/ 93.
92ـ نفسه: 10، 21/81.
93ـ نفسه: 4/ 81. 1/ 82.
94 ـ نفسه: 1/ 11. 1/ 75.
95 ـ نفسه: 11، 36، 37، 54، 55، 67، 68، 75، 79، 82.
96ـ نفسه: 7/ 26. 7/ 72.
97 ـ نفسه: 15، 26، 72،
98 ـ المقطع نفسه: 8/ 36. 14/ 37.
99ـ المقطع نفسه: 5/ 12. 6، 15/ 15. 3، 8/ 24. 7/ 26. 7/ 53. 3/ 55. 9/ 57. 10/ 58. 14/ 59. 3/ 61.0 7/ 63. 5/ 66. 3، 9، 14/ 67. 7/ 72. 10/ 76. 10/ 91. 3/ 92.
100ـ نفسه: 15/ 15. 7/ 26. 15/ 67. 21/ 83.
101ـ نفسه: 1/ 11 ـ 7/ 26.
102ـ نفسه: 1 ـ 15/ 67.
103ـ نفسه: 1/ 11 ـ 15/ 15.
104ـ نفسه: 1، 14/ 37.
105ـ نفسه: 1 ـ 3/ 67.
106ـ نفسه: 10 ـ 11/ 76.
107 ـ نفسه: 14 ـ 15/ 15. 7 ـ 8/ 36. 4 ـ 5/ 81. 21/ 81 ـ 1/ 82.
108ـ نفسه: 9 ـ 16/ 60.
109ـ نفسه: 15 ـ 17/ 59. 1 ـ 3/ 60. 7 ـ 8/ 60. 17 ـ 19/ 60.
110 ـ نفسه: 4 ـ 7/ 72.
111 ـ أغنية لعبور النهر مرّتين: 3، 10/ 35. 1، 9/ 36. 1/ 37.
112 ـ نفسه: 9/ 57. 10/ 58. 14/ 59. 3/ 61. 7/ 62. 6/ 63.
113 ـ نفسه: 1/ 11. 3/ 51. 7/ 52.
114 ـ نفسه: 1/ 75. 3/ 76.
115ـ نفسه: 2، 6، 10/ 80.
117 ـ نفسه: 3، 6/ 93.
118ـ نفسه: 1/ 82. 21/ 83.
119ـ نفسه: 10/ 81.
120 ـ نفسه: 21/ 81.
121 ـ نفسه: 4/ 81.
122 ـ نفسه: 1/ 82. 21/ 83.
123ـ نفسه: 8 ـ 10/ 65.
124ـ نفسه: 8 ـ 10/ 67. 13 ـ 15/ 67. 8 ـ 10/ 76.
125ـ نفسه: 2 ـ 5/ 66.
126ـ أغنية لعبور النهر مرّتين: 9. وتُنظر مادة “صاف”، في لسان العرب:
127 ـ نفسه: 9. والنصّ مأخوذ من مادة “روح”، في لسان العرب:
128 ـ نفسه: 27. وتُنظر مادة “خرف”، في لسان العرب:
129 ـ نفسه: 27. وقد وردت في مادة “شجن”، في لسان العرب:
130 ـ نفسه: 49. ويمكن الرجوع إلى مادة “شتا”، في لسان العرب:
131 ـ نفسه: 49. وترد في مادة “غرب”، في لسان العرب:
132 ـ نفسه: 73. وتُنظر مادة “ربع”، في لسان العرب:
133 ـ نفسه: 73. وتُراجع مادة “عاد”، في لسان العرب: 3/ 315. وأمّا معنى الرجع والبدء فلّه عدة إيرادات في اللسان، تُتبع في مادة “بدأ” 1/ 28. ومادة “فر” 5/ 51.
134 ـ نفسه: 9.
135 ـ نفسه: 27.
136 ـ نفسه: 49.
137ـ نفسه: 73.
138ـ أغنية لعبور النهر مرّتين: 11، 12، 13، 19، 41، 43، 58، 69، 70، 81، 86.
139 ـ نفسه: 95
140 ـ أغنية لعبور النهر مرّتين: 5.
141 ـ نفسه: 95.
142ـ أغنية لعبور النهر مرّتين: 7.
143ـ أغنية لعبور النهر مرّتين: 16.
144ـ نفسه.
145ـ نفسه: 10.
146 ـ نفسه: 56.
147ـ نفسه: 74، 78.
148ـ أغنية لعبور النهر مرّتين: 22.
149 ـ نفسه: 78، 88.
150 ـ نفسه: 42، 78، 88.
151ـ نفسه: 88.
152ـ نفسه.
153ـ نفسه: 16، 88.
154ـ نفسه: 88.
155ـ نفسه: 50، 78، 88.
156ـ نفسه: 34.
157ـ نفسه: 88.
158ـ نفسه: 34، 42، 64، 78، 88.
159ـ نفسه: 34.
160ـ نفسه: 22، 28، 74.
161ـ نفسه: 88.
162 ـ نفسه: 42.
163 ـ نفسه: 50.
164 ـ نفسه: 34.
165 ـ نفسه: 64.
166ـ نفسه: 50.
167 ـ نفسه: 88.