التحدّي الغاليلي – نعوم تشومسكي | ترجمة: حمزة المزيني

ملحوظات المترجم
نُشر هذا المقال في مجلة Linguistics, vol.3, No. 1 (April 2017) وأساسه محاضرة ألقاها تشومسكي في باريس بتاريخ ٢٤ نوفمبر ٢٠١٦م. ويمكن للقارئ الاطلاع على تفصيلات أخرى للقضايا التي ناقشها تشومسكي في هذا المقال، والقضية الأساسية في هذا المقال على الأخص، في كتاب تشومسكي:What Kind of Creatures Are We? المنشور في سنة ٢٠١٦م، وهو الذي ترجمتُه بعنوان: أيُّ نوعٍ من المخلوقات نحن؟، ونشرته دار كنوز المعرفة للنشر الأردنية في ١٤٣٨ه/٢٠١٧م، لا سيما الفصول الأول والثاني والرابع.
وحاولت في ترجمتي هذه استخدام المصطلحات نفسها التي استخدمتُها في ذلك الكتاب. واخترتُ، بدلًا من وضعها في قائمة عند نهاية الترجمة، أن أورد تلك المصطلحات بلغتها الأصلية في الحواشي.
واستخدمتُ في هذه الترجمة، كما عملتُ في ترجماتي السابقة، مصطلحَ “ذهن” ترجمة للمصطلح الإنجليزي mind تفاديًا للّبس الذي ربما ينشأ في اللغة العربية عن استعمل مصطلح “عقل” في ترجمتها. ذلك أن “عقل، في اللغة العربية، ربما تعني “الحكمة” و”الرويَّة”، وغير ذلك من الصفات الإيجابية. أما mind، في سياق الأبحاث اللسانية والعصبية الحديثة، فيميَّز بينه وبين brain “دماغ” في أن المصطلح الأخير يدل على العضو نفسه فيما يدل المصطلح mind على النتائج المجرَّدة التي تحصل نتيجة للعمليات التي يقوم بها “الدماغ”. ويشير تشومسكي دائمًا إلى أن الهدف الذي تتطلع إلى تحقيقه الدراساتُ اللسانية والعصبية هو أن تنتهي إلى دراسة “الذهن”. أما دراسة “الدماغ” في الوقت الحاضر فمرحلة انتقالية إلى ذلك الهدف. ولذلك نجده يكتب المصطلحين على هيئة: brain/mind “دماغ/ذهن”، كما ورد في هذا المقال أيضًا.
حاولتُ قدر المستطاع تقريب النص إلى القارئ؛ ولزم عن ذلك أن أضيف بعض الزيادات في المتن وحصرتُها بين قوسين مركَّنين [ ]. فإذا وجد القارئ الكريم كلامًا بين مثل هذين القوسين فهو كلام المترجم لا كلام المؤلف.
أما عنوان المقال فيعني “القضية التي أثارها غاليليو”. وهي تذكِّر بالقضايا الأخرى عن طبيعة اللغة أو طبيعة المجتمع التي ناقشها تشومسكي. وهو يسمي تلك القضايا “مشكلات” بمعنى أنها قضايا إشكالية تستوجب البحث والنقاش. ومن تلك المشكلات، ما يسميه “مشكلة أفلاطون” وهي تتصل باكتساب الأطفال اللغة اكتسابًا سريعًا مما يعني أنهم يولدون مؤهلين لاكتسابها. والمشكلة الثانية “مشكلةُ أورويل”، نسبة إلى الروائي الآيرلندي المشهور. وتعني أن القضايا الاجتماعية والسياسية واضحة جدًّا ويكفي أن يوجِّه المرء انتباهَه قليلًا ليكتشف طبيعتها. ومن هنا، ربما كان يحسن أن يترجم عنوان هذا المقال بـ”مشكلة غاليليو” لتتماشى مع تسمية القضيتين السابقتين. والواضع أن “التحدي” هنا لا يعني “التعجيز” بل يعني أن ثَمَّ قضية مهمة جدًّا تستحق النقاش.
بقي أن أقول إني كتبت اسم “غاليليو غاليلي” بهذه الطريقة بدلًا من الطريقة الأخرى: “جاليليو جاليلي” ولا يعني هذا أن كتابة الحرف اللاتيني g بحرف “غ” هو السائغ دائمًا؛ بل ربما يكون غير ملائم أحيانًا.
***
كيف يمكن لنظامٍ كاللغة البشرية أن يَنشأ في الذهن/الدماغ، أو على أي حال، في العالم العضوي الذي يبدو أنه لا يمكن أن نَجِد فيه أيَّ شيء يشبه الخصائص الأساسية لِلُّغة البشرية؟
-[كتاب تشومسكي]: البرنامج الأدنوي[1]
عبَّر مؤسسو العلم الحديث، في الأيام المبكرة من الثورة العلمية الحديثة، عن شعورهم بالإجلال والمهابة تجاه حقائق اللغة. ومن ذلك ما قاله غاليليو: “لكن ما يَفوق المخترعاتِ المذهلة كلها” هو:
ما أعظم تسامي ذلك الشخص الذي حلم بالعثور على وسائل لتوصيل أعمق أفكاره لأي شخص آخر، حتى إن كانت تفصل ذلك الشخص عنه مسافات كبيرة مكانًا وزمانًا! [أو أن يحلم بـ] الحديث إلى من يسكنون الهند؛ أو إلى من لم يولدوا بعدُ أو إلى من لن يولدوا إلا بعد ألف سنة أو بعد عشرة آلاف سنة؛ ثم ما الأدوات التي يستخدمها، إنها لا تَزيد عن الترتيبات المختلفة لأربعة وعشرين شكلًا [حَرفًا] على صفحة[2].
وعبَّر أنتونيو أرنولد وكلود لانسيلوت في كتابهما “النحو العام” واسعِ الأثر، عن الإحساس نفسه من الإجلال والمهابة بقولهما:
ويبقى لدينا أن ننظر فيما هو، في الواقع، أحد أعظم مزايا البشر الروحية مقارنة بالحيوانات الأخرى، وهو أحد أهم براهين العقل المهمة: ونعني بذلك الطريقةَ التي نستطيع بها أن نعبِّر عن أفكارنا، وهو الاختراع الرائع الذي يمكننا باستخدام خمسة وعشرين أو ثلاثين صوتًا أن نَخلق تنوعاتٍ من الكلمات لا حصر لها، وهي التي لا صلة لها بما يعتمل في أذهاننا ومع ذلك تسمح لنا بالتعبير عن أسرارنا كلها، كما تسمح لنا بأن نفهم ما لا يَكون حاضرًا في شعورنا، وهو على العموم، كل ما يمكن أن نفكر فيه وأكثر خَلجات أرواحنا المتنوعة[3].
وكان رينيه ديكارت أحد أهم المؤثِّرين على “النحو العام”. إذ جادل في “تأمُّله الثاني”[4] بأن الأمر يتطلَّب وجود مبدأ ثانٍ لتفسير القدرة البشرية على استعمال اللغة استعمالًا ملائمًا غير محصور:
لأن هذا [المبدأ] سوف يتألف ببساطة من قدرتنا على أن نَعمل شيئًا أو نتركه (أي، أن نؤكِّد أو ننفي، وأن نَسعى وراءه أو نتفاداه)؛ أو أنه يتمثل، بدلًا من ذلك، ببساطة، في أنه حين يَدفع الفكرُ شيئًا إلى الأمام من أجل التأكيد أو النفي أو من أجل السعي أو التفادي، تبدو ميولُنا كأننا لا نَشعر بأننا محكومون بأي قوة خارجية[5].
وجادل ديكارت في كتابه “مقال في المنهج”، القسم الخامس[6]، بأن الاستعمال الإبداعي للُّغة يحدِّد الفارقَ بين البشر والآلات. إذ يمكن أن تُرغَم الآلةُ على أن تَعمل بشكل معين، لكن لا يمكنها أن تَرغَب؛ أما البشر فالعكس هو الحال غالبًا[7]. وتفسير السبب الذي جعل هذا الأمر على هذا الوجه هو “التحدي الغاليلي”.
أما في العصر الحديث، فمع أن التحدي [الغاليلي] يُذكر أحيانًا فقد كان عُرضةً للتجاهل إلى حد كبير أيضًا، وكان وليم فون همبولدت حالةً نقيضًا لذلك التجاهل وهي حالة موحيةً على وجه خاص [إذ يقول]:
يجب أن توفِّر عملياتُ اللغة احتمالَ إنتاج مجموعة من الظواهر غير المحدَّدة، وهي التي تحدِّدها شروطٌ يَفرضها عليها التفكيرُ. … ويجب، لذلك، أن تَستعمل [هذه العمليات] وسائلَ نهائية لاستعمالٍ غير نهائي[8].
والقدرة اللغوية مقصورة على النوع [البشري]، أي أنها شيء يشترك فيه البشر وخاصٌ بهم. وهي أكثر خصائصِ هذا الكائن العضوي الغريب اللافتة، كما أنها أساسُ إنجازاته الرائعة. وهي تمثِّل في أبعد مدًى لعموميتها التحديَ الغاليلي. وهذا التحدي حقيقي جدًّا، وينبغي، كما أرى، أن يُنظر إليه على أنه أحد أعمق الأسئلة في تاريخ الفكر اللساني على مدى ألفين وخمسمائة عام.
ولم يكن ثَمَّ ما يقال تقريبًا، حتى القرن العشرين [الميلادي]، عن التحدي الغاليلي باستثناء عبارات قليلة. وثَمَّ سبب وجيه لتفسير ضعف البحث [في هذا التحدي]. ذلك هو عدم توفر الوسائل الفكرية اللازمة لصياغة المشكل بطريقة واضحة بما يكفي لتناوُلها. وتغيَّر ذلك بفضل [جهود] ألنزو تشيرش وكورت جوديل وإيميل بوست وآلان تورنج[9] الذين وضعوا نظرية الحَوْسبة العامة. وبيَّن عملُهم كيف أن شيئًا نهائيًّا كالدماغ يمكن أن يولِّد تنوعات غير نهائية من التعبيرات [الرياضية واللغوية]. وصار من الممكن [بعد ذلك]، ولأول مرة، تناولُ جزء من التحدي الغاليلي مباشرة، حتى إن ظل التاريخ المبكر [لهذا التناول] غير معروف.
وصار من الممكن، بهذه الوسائل الفكرية، صياغةُ ما يمكن أن نسميه “الخصيصة الأساسية”[10] للغة البشرية. فتوفِّر “مَلَكةُ اللغة”[11] في الدماغ البشري الوسائلَ اللازمة لتركيب مصفوفات متنوعة من التعبيرات البنيوية؛ وتؤوَّل كلُّ واحدة من هذه المصفوفات دلاليًّا على أنها تعبِّر عن وِحدة فكرية واحدة، ويمكن لكل منها أن يُظهَّر[12] عن طريق نوع من الوسيط الإحساسي[13]، كالكلام، مثلًا. وتتألف المصفوفة غير النهائية من الوحدات المؤوَّلة دلاليًّا مما يسمى أحيانًا بـ”لغة الفكر”[14]. وهي نظام يستطيع بعد ذلك أن يُنتج التعبيرَ اللغوي، وهو ما يَدخل في التأمل والإحالة والتخطيط وعملياتٍ ذهنية أخرى. ويمكن [للتعبير اللغوي]، حين يُستَظهر، أن يُستخدَم في التفاعلات الاجتماعية، مع أن ذلك ليس إلا تقريبًا لما يمكن أن يسمى فكرًا على وجه الدقة. وثَمَّ الكثير مما يمكن أن يقال عن هذا الموضوع المتحدي.
وثَمَّ سبب وجيه للافتراض بأن ملكة اللغة مشترَكةٌ عند النوع البشري. إذ لا يُعرَف أنَّ ثَمَّ اختلافات بين الجماعات في القدرة اللغوية، كما أن التنوعات الفردية [بين البشر] هامشية. ومع أن الكلام [المنطوق] هو الشكل المعهود للتظهير الإحساسي الحركي[15]، فنحن نعرف الآن أن التأشير [في لغة الإشارة] أو اللمس يُنجزان [التظهير الإحساسي الحركي] كذلك. وتتطلب هذه الاكتشافات صياغةَ التحدي الغاليلي صياغةً مختلفة قليلًا. إذ يجب أن يضاف تحديدٌ أكثر جذرية يتعلق بالطريقة التي صيغ بها التحدي؛ فقد صيغت أشكاله التقليدية بمعايير إنتاج التعبيرات[16]. وقد تجاهل التحدي، بهذه المعايير، بعضَ القضايا الأساسية. [ومن تلك القضايا] الإدراك الحسي[17]، وهو أن يَنفُذ الإنتاجُ إلى اللغة الداخلية، لكن لا يمكن أن يُماهى بها. فيجب أن نميِّز بين نظام المعرفة المستبطَن والعملياتِ التي تَنفُذ إليه. وتساعدنا نظريةُ الحوسبة في وضع هذا التمييز، وهو تمييز مهم ومألوف في مجالات أخرى.
ونحن نميِّز، في دراسة الكفاءة الحسابية عند البشر، نظامَ المعرفة الداخلية من العمليات التي تَنفُذ إلى [تلك المعرفة]. فنحن نعتمد، حين نُجري عمليةَ ضَرْب [حسابية] في رؤوسنا، على كثير من العوامل التي لا صلة لها بمعرفتنا الداخلية الحسابية. والمثال الأبرز [لهذه العوامل] هو القيودُ على الذاكرة. ويصح الشيء نفسه عن اللغة. إذ يَنفذ الإنتاجُ والإدراك الحسي كلاهما إلى اللغة الداخلية، لكنهما يشملان عواملَ أخرى كذلك، ومن ذلك الذاكرة القصيرة[18]. وكانت هذه الأمور، حين تناول [الباحثون] التحدي الغاليلي في خمسينيات [القرن العشرين الميلادي]، هي ما بدأ الباحثون في دراسته بشكل دقيق.
وتحقَّق تقدم كبير في فهم طبيعة اللغة الداخلية [منذئذ]، لكن استعمال اللغة الإبداعي الحُرَّ ظل لغزًا. ويجب ألا يكون هذا مفاجئًا. فقد لاحظ عالما الأعصاب إيميليو بيزِّي وروبرت أجيميان، في مراجعة حديثة [نشراها] لبعض حالات النشاط الطَّوْعي الأبسط، أنه في حالة شيء بسيط جدًّا مثل أن يَرفع شخصٌ ذراعَه فإن:
تفاصيل هذه العملية المعقدة، التي تَدخل فيها بشكل حاسم تحويلاتٌ تنسيقية ومتباينة بدءًا من أهداف الحركة المكانية إلى الإثارات العضلية، تحتاج إلى مزيد من التوسُّع في التفصيل. وإذا صغنا [هذه الملاحظة] بشكل أكثر زخرفة، فلدينا فكرة ما عن التصميم المعقد للدُّمية والخيوط التي تُمسك بها لكننا لا نعرف شيئًا عما في ذهن محرِّك الدمية[19].
واستعمال اللغة المألوف مثال أكثر تعقيدًا وتفصيلًا بما لا يقاس. فهي قدرة بشرية فريدة أذهلت مؤسسي العلم المعاصر بشكل كبير جدًّا.
والمهمة الأساس في البحث عن اللغة هو التحقق من طبيعة الخصيصة الأساسية، والتحقق بذلك من التأهيل الجيني الذي تقوم عليه ملكة اللغة. ويمكن لنا، بقدر ما نحصِّله من فهم لخصائصها، أن نستقصي بعض اللغات الداخلية المعيَّنة[20]، وكلُّ واحدة منها تَمثُّلٌ للخصيصة الأساسية، مما يشبه كثيرًا كونَ النظام البصري الفردي تمثلٌ لملكة النظر البشرية. ويتناول برنامج اللسانيات الأحيائية[21] تَقصيًا للكيفية التي تُكتَسب بها اللغات الداخلية وتُستعمل، والكيفيةِ التي تَعمل بها في الدماغ البشري. كما يلتزم [هذا المنحى من البحث] بدراسة تطور ملكة اللغة وأساسها في التركيب الجيني البشري. والنحو الكلي[22] نظريةٌ لملكة اللغة التي تقوم على الجينات؛ والنحوُ التوليدي[23] نظريةٌ عن كل لغة مفردة.
وتبدو اللغات على درجة عالية من التعقيد، فهي تتنوع تنوعًا حدِّيًّا بعضها عن بعض. وكان الاعتقاد السائد عند المتخصصين في اللسانيات قبل ستين سنة أنه يمكن أن تختلف اللغات بعضها عن بعض بطرق عشوائية؛ ويجب أن تُدرَس كل واحدة منها على حدة من غير أي تصورات مسبقة [عن طبيعة اللغة، أو عن اللغات الأخرى]. وكان علماء الأحياء [في تلك الفترة نفسها] يَتبنَّون وجهاتِ نظر مماثلة عن الأحياء العضوية. [وظل هذا الاعتقاد سائدًا إلى وقت قريب]؛ ومن ذلك أن جونثر ستينت[24] كتب في سنة ١٩٨٤م مراجعة لكتاب ج. م. سلاك[25] [بعنوان]: “من البيضة إلى المُضْغَة”[26]، ولاحظ “… أننا لا نستطيع أن نتوقع أن تُكتَشف نظريةٌ عامة لنمو [الأجنَّة]؛ ذلك أننا نواجَه بما يكاد يَكون خصائص فردية لا نهاية لها، وهي التي يجب أن تُفحص كل حالة لوحدها”[27].
ونتوقع، حين يَكون الفهم ضئيلًا، أن نرى تنوعًا واسعًا جدًّا وتعقيدًا شديدًا.
وقد تعلمنا قدرًا كبيرًا منذ ذلك الحين. إذ نعرف الآن أن تنوع الحياة محدود جدًّا، وأدت هذه المحدودية إلى أن تصل الفرضية عن تركيبٍ جينيٍّ كلي إلى حد بعيد من التقدم الجاد[28]. وشعوري الخاص أن اللسانيات تمر بتطور مماثل.
ويُنظَر إلى الخصيصة الأساسية للُّغاتِ على أنها نظام حوسبي، وهو ما يجعلنا نتوقع أنها تحترم الشروط العامة على الكفاءة الحوسبية. ويتألف النظام الحوسبي من منظومة النُّويّات[29]، وقواعدَ لبناء بنًى أكثر تعقيدًا باستخدام [تلك النُّويّات]. والعناصر النووية، في توليد لغة الفكر، شبيهة بالكلمات، وإن لم تكن كلماتٍ على وجه الدقة؛ والمصفوفة من هذه العناصر في كل لغة هي معجم تلك اللغة[30]. ويُنظر إلى عناصر المعجم عادةً على أنها منتجات ثقافية، وتتنوع تنوعًا واسعًا بحسب التجربة، وموصولة بوحدات غير ذهنية [أي خارج الرأس]. وقد عُبِّر عن الفكرة الأخيرة في عناوين كُتب معتمدة مشهورة مثل دراسة و. ف. كواين[31] المؤثرة جدًّا، بعنوان “الكلمات والأشياء”[32]. ويَكشف البحث الدقيق حتى لأبسط الكلمات صورةً مختلفة جدًّا [عما تقدّمه هذه الكتب]، وهي الصورة التي تنشأ عنها ألغازٌ كثيرة.
ويَلزمنا، في تحليل الخصيصة الأساسية، أن نلتَمس أبسطَ إجراءٍ حوسبي يتماشى مع معطيات اللغة. ومما استقر لدى الباحثين منذ أمد بعيد أن النظريات البسيطة فقط يمكن أن توفر عمقًا تفسيريًّا غنيًّا. فقد لاحظ غاليليو أن “الطبيعة لا تَعمل ذلك باستخدام أشياء كثيرة مما يمكن أن تَعمله بأشياء قليلة”، ووَجَّه هذا المبدأُ العلومَ منذ أصولها الحديثة[33]. فمهمةُ العالِم أن يبرهن على هذا، بدءًا من حركة الكوكب إلى طيران النسور، وانتهاءً بعمل الخلية الداخلي، ونمو اللغة في ذهنِ طفل. وتسعى اللسانيات إلى اقتراحِ أبسط النظريات لسبب إضافي، وهو أنها يجب أن تواجِه مشكلةَ طبيعة تطور [اللغة]. ولا يُعرف إلا القليل عن تطور البشر الحديثين. ولا تزيد بعض الحقائق القليلة المتفق عليها اتفاقًا جيدًا والحقائق الأخرى التي ظهرت مؤخرًا، عن كونها موحية. وهي تؤكد النتيجةَ التي مؤداها أن الملكة اللغوية بسيطة جدًّا؛ بل ربما تكون على درجة عالية من الكفاءة الحوسبية، وذلك على وجه الدقة ما اقتُرح انطلاقًا من أسباب منهجية.
وتبدو إحدى الحقائق على درجة قصوى من الاتفاق عليها. تلك هي أن ملكة اللغة خصيصة حقيقية للنوع [البشري]، وهي لا تختلف بين المجموعات البشرية، كما أنها خاصة بالبشر في سِماتها الأساسية. ويترتب على ذلك أن الملكة [اللغوية] لم تتطور إلا قليلًا أو أنها لم تتطور أصلًا منذ أن انفصلت المجموعات البشرية بعضها عن بعض. وتضع الدراساتُ الجينية الأخيرة تاريخَ هذا الانفصال قريبًا جدًّا من تاريخ ظهور البشر الحديثين من حيث البنية العضوية قبل مائتي ألف سنة[34]. وذلك هو الزمن الذي انفصلت فيه جماعة “السّان” في إفريقيا عن المجموعات الأخرى. وثَمَّ دليل ضعيف على وجود أي شيء كاللغة البشرية، أو أي سلوك رمزي على الإطلاق، قبل ظهور الجنس البشري الحديث. ويقودنا هذا إلى أن نتوقع أن ملكة اللغة ظهرت مع ظهور الجنس البشري الحديث أو بعد ذلك بزمن ليس طويلًا، وهي لحظة قصيرة جدًّا في مقياس الزمن التطوري. ويترتب على ذلك، إذن، أنه ينبغي بالفعل أن تكون الخصيصة الأساسية بسيطة جدًّا. وتؤيد هذه النتيجةُ ما اكتُشف في السنوات الماضية القليلة عن طبيعة اللغة، وهذا تضافر [للأدلة] مرحَّبٌ به.
والاكتشافات عن الانفصال المبكر لجماعة “السان”[35] موحٍ إلى حد بعيد. فمع أنه يظهر أن المتكلمين “السانيين” يمتلكون القدرة اللغوية البشرية فلغاتُهم هي الوحيدة التي تشتمل على التمطُّقات[36] الصوتية، مع تكيُّفات ملازِمة في المجرى الصوتي. والتفسير الأكثر احتمالًا لهذه الحقائق، وهو ما جاء به اللساني الهولندي ريني هويجبريجتس[37]، أن امتلاكهم لِلُغة داخلية سبق انفصالهم عن المجموعات [البشرية] الأخرى؛ وسبق هذا بدوره تَظهير لغتهم[38]. أما المجموعات الأخرى فَسلكت طرقًا مختلفة شيئًا ما. إذ يبدو أن التظهير [عندها] ارتبط بالإشارات الأولى من السلوك الرمزي في السجل الأحفوري. وربما يوحي هذا بأننا وصلنا إلى مرحلة من الفهم يمكن عندها أن يعبَّر عن تطور اللغة بطرق لم يكن من الممكن تخيُّلُها إلى وقت قريب.
ويظهر أن التأهيل الجيني[39] لنظام اللغة الحوسبي بسيط إلى حد بعيد. ومن التحدّي الكبير للبحث أن نبيِّن كيف أن حقائق اللغة تفسَّر بمعايير صياغةِ الخصيصة الأساسية صياغةً بسيطة. ويجب، مهما كان شكل هذه الصياغة، أن تتوسل بالتفاعل بين الخصيصة الأساسية والتجاربِ المحدَّدة والمبادئ المستقلة عن اللغة. ولا شك أن هذا يشمل مبادئ الكفاءة الحوسبية. وليس لتجارب الطفل الخاصة، من هذه الناحية، إلا صلة محدودة، سواء أكان ذلك فيما يخص اكتساب معنى أبسط الكلمات، أم [اكتساب] البنى التركيبية والخصائص الدلالية للغة الفكر.
وبَرزت خصائصُ الملكة اللغوية الكلية مباشرةً بعد أن قام الباحثون بجهود جادَّة لصياغة الأنحاء التوليدية. وتشمل هذه [الصياغةُ] خصائصَ [اللغة] البسيطة التي لم تلاحَظ من قبل قط، وهي التي ما تزال تَبعث على الحيرة إلى حد بعيد. وإحدى هذه الخصائص “الاعتمادُ على البنية”[40]. إذ لا تتوسل القواعدُ التي تولِّد لغةَ الفكر إلا بالخصائص البنيوية متجاهلةً خصائصَ الإشارة [اللغوية] المُظهَرة، ويشمل ذلك أبسط الخصائص كـ”الترتيب الخطِّي”[41]. انظر مثلًا الجملة التالية:
The boy and the girl are here
“الولدُ والبنتُ كانا هنا”.
فلا يحاوِل أحد، مع استثناءات هامشية، أن يقول is here مع أن العلاقة الأقرب هي: girl+ copula[42] (ومعيار تكرار بيجرام[43] -الذي يقيس احتمالَ أو تكرار مجموعات الكلمات- نجده أعلى فيما يخص [احتمال] عباراتٍ على شكلgirl is مما هو لعبارات مثل girl are. ومعيار التكرار هذا شائع ويُستعمل في علوم الإدراك الحوسبية وتحليل المعطيات الضخمة[44]). فنحن نعتمد، من غير توجيه، على البنية لا على الترتيب الخطي، آخذين العبارةَ لا الاسمَ المحلي لتحديد المطابقة[45] [بين الأسماء والأفعال]. أو خذ الجملة:
He saw the man with telescope
“رأى الرجل بالتلسكوب”، “رأي الرجل الذي يحمل تلسكوبًا”.
وهي جملة مُلبِسة، إذ تعتمد على ما نأخذه على أنه عبارات، مع أن نطق [الجملة] والترتيب الخطي [بين مكوناته] لا يتغيران في ضوء أيٍّ من التأويلين[46].
ولنأخذ مثالًا أكثر عمقًا، انظر إلى الجملة:
Birds that fly instinctively swim
“الطيور التي تطير غريزيًّا تَسبح”.
فيمكن أن يرتبط الظرفinstinctively مع الفعل السابق له:fly instinctively ، أو مع الفعل اللاحق له:instinctively swim . لنفترض الآن أننا نقلنا الظرف من مكانه في الجملة لنكوِّن جملة مثل:
Instinctively, birds that fly swim
“غريزيًّا، الطيور التي تطير تسبح”.
وهذا ما يزيل اللبس الآن. إذ لا يؤوَّل الظرف إلا مع الفعل swim الأبعد عنه خطيًّا لكنه أقرب بنيويًّا، لا مع الفعل fly الأقرب له خطيًّا لكنه أكثر بعدًا بنيويًّا عنه. والتأويل الممكن الوحيد، أي birds swim، ليس تأويلًا طبيعيًّا. لكن ذلك غير مهم. إذ إن القاعدة تنطبق انطباقًا صارمًا، باستقلال عن المعنى والحقيقة، متجاهلة الحوسبة الأبسط للمسافة الخطية، محافظةً على حوسبة المسافة البنيوية الأكثر تعقيدًا.
وخصيصة “الاعتماد على البنية” موجودة في التراكيب كلها في اللغات كلها، وهذا أمر محير حقًّا.
يضاف إلى ذلك أن [الاعتماد على البنية] معروف من غير أدلة خاصة به، كما هو واضح من الحالات التي أوردتُها آنفًا، وحالاتٍ أخرى لا حصر لها. وتبين التجارب [المخبرية] أن الأطفال يَفهمون “الاعتماد على البنية” بشكل واضح تقريبًا من غير أي توجيه في السنة الثالثة من أعمارهم تقريبًا[47]. ويمكن أن نكون على درجة بعيدة من اليقين بأن “الاعتماد على البنية” يتبع من مبادئ النحو الكلي المتجذرة عميقًا في الملكة اللغوية البشرية.
و”الاعتماد على البنية” أحد خصائص اللغة القليلة المهمة التي سعت المقارباتُ التي تقوم على أسس استعمالِ اللغة إلى وجوب تفسيرها. وروجعت هذه المحاولات بالتفصيل في مواضع أخرى[48]. وقد فشلتْ تلك المحاولات كلها. وكان فشلُها تامًّا. بل إن بعضها أثار السؤال الصحيح. [وذلك السؤال هو]: لماذا توجد هذه الخصيصة في اللغات كلها، وفي التركيبات كلها؟ ولم تختلف حالات أخرى [من المحاولات] عن هذا المصير.
وتؤيد مصادرُ أخرى النتيجةَ التي مؤداها أن “الاعتماد على البنية” خصيصة لغوية كلية حقيقية، متجذِّرة بشكل عميق في تصميم اللغة. فقد بيّن بحثٌ أُنجز في [مدينة] ميلان الإيطالية قبل عشر سنوات، بدأه أندريا مورو، أن اللغات المصطنعة التي تتماشى مع مبدأ “الاعتماد على البنية” يَبعث إثارةً مألوفة في مناطق اللغة في الدماغ. أما الأنظمة الأبسط التي تَستعمل الترتيب الخطي في مخالفة لهذه المبادئ فتُنتج إثارةً مشتتة، وهو ما يعني أن المجرب عليهم يعاملونها على أنها أشياء محيِّرة، وليست لغة[49]. كما وجد نيل سميث وإيانثي ــــــ ماريا تسيمبلي نتائجَ مماثلة في دراستهما لشخص يعاني من القصور الإدراكي لكنه موهوب لغويًّا[50]. كما أبديا ملاحظة لافتة للنظر مؤداها أن المجرب عليهم [في دراسة هذه الظاهرة] يستطيعون أن يحلُّوا المشكلة إن قُدِّمت لهم بصفتها أمرًا محيِّرًا، أما إن قدمت لهم على أنها لغة فلا يحلونها. ذلك أنها إذا قدمت لهم على أنها لغة فربما لا تستطيع الملكة اللغوية أن تتفهم المعطيات، مع أنها مثارة احتمالًا.
ومن هنا، يجب أن يَكون “الاعتماد على البنية” خصيصة فطرية[51] للملكة اللغوية.
فلماذا ينبغي أن يَكون الأمر كذلك؟ وليس ثَمَّ إلا إجابة واحدة معروفة. وهي الإجابة التي نبحث عنها من أجل أسباب عامة. تلك هي أن عمليات اللغة الحوسبية أبسط العمليات الممكنة. وهذه هي النتيجة التي نأمل أن نصل إليها انطلاقًا من أسس منهجية، وذلك ما يُتوقع في ضوء الدليل عن تطور اللغة.
ولكي ترى السبب وراء كون الأمر على هذا الوجه، انظر إلى أبسط عملية تكرارية[52]، وهي مضمَّنة بطريقة أو بأخرى في العمليات الأخرى كلها. فتأخذ هذه العمليات عنصرين سبق أن صيغا، ولنقل X وY، وتكوِّن منهما وحدةً جديدة Z من غير أن تعدِّل أيَّ واحد منهما، أو تضيف إليهما بنْيةً إضافية. ويمكن أن تؤخذ Z على أنها، وحسب، مصفوفةُ {X, Y}[53]. وتسمى هذه العملية، في البحث الذي يُجرى في الوقت الحاضر، “دَمْج”[54]. وبما أن “دمج” لا تَفرض أيَّ ترتيب [بين العناصر] فسوف تَكون الوحداتُ المكوَّنة، مهما كانت معقدَّة، مبنيةً بناءً هرميًّا، لكنها غير مرتَّبة؛ وسوف تحافِظ العملياتُ التي تَعمل عليها بالضرورة على المسافة البنيوية، متجاهلةً المسافةَ الخطية. ويجب أن تَكون العمليات اللغوية التي تَنتج عنها لغةُ الفكر معتمدةً على البنية، كما هو الحال على وجه الدقة. ويَظهر أن التوسل بالبساطة يجيب عن السؤال عن السبب الذي يجعل “الاعتماد على البنية” يَظهر في اللغات البشرية كلها.
ويَنقل تظهيرُ اللغة البنى الداخليةَ إلى الوسائط الإحساسية الحركية، وهي الكلام [المنطوق] غالبًا. ويتطلب النظام الإحساسي الحركي ترتيبًا خطيًّا؛ إذ لا نستطيع أن نتكلم بالمتوازيات[55]. لكن لغة الفكر تحافظ على العلاقات البنيوية. وهي لا تَدخل في الوظيفة الجوهرية التي تَنتج عنها لغةُ الفكر. وهذا مخالف للصياغة التقليدية للتحدي الغاليلي نفسه.
ويُقدِّم الإدراكُ الحسي دليلًا إضافيًّا يدعم هذه النتيجة. فتشبه أنظمة القرود السمعية شبهًا قريبًا الأنظمةَ السمعية عند البشر، بل هي مهيأة تهيئة دقيقة لإدراك الخصائص الصوتية التي تُستعمل في اللغة [البشرية]. لكن الأنظمة السمعية ــ الإدراكية المشتركة [بين البشر والقرود] تَحرم القرودَ من أي شيء يشبه ملكة اللغة البشرية ولو شبهًا بعيدًا. فيمكن للقرود، بالطبع، أن تؤشِّر، لكنها لا تستطيع حتى مع التدريب المكثَّف أن تستعمل أنظمتها التأشيرية حتى لو كانت بأكثر خصائص اللغة البشرية الأولية، ذلك مع أن البشر يطورون لغات الإشارة بصفة فورية حتى من غير أي دَخْل لغوي[56]. ووجد البحث على الكلاب، بالمِثل، أنها معدَّة [صوتيًّا] لخصائص اللغة البشرية الصواتية والنغمية[57]. بل ربما تكون مؤهَّلةً بتخصيص لأحد شقي الدماغ مماثلٍ [لما عند البشر]، لكنه، بالطبع، لا يزوِّدها بأي خطوة نحو اكتساب اللغة. وتؤيد نتائجُ كثيرة مثل هذه النتيجة التي تفيد بأن لغتنا الداخلية مستقلة عن التظهير، وأنها تطورت بشكل مستقل إلى حد بعيد. فتصميم اللغة هو ما يوفر أقوى دليل على هذه الأطروحة. فتترتب الكليةُ اللغوية “للاعتماد على البنية” على الفرضية المبدئية التي مفادها أن نظام الحوسبة كامل [كفء] ولهذا السبب فهي لا تأبه بالترتيب الخطي الذي هو بالطبع أكثر خصيصة أولية للتظهير.
وكان يبدو إلى زمن ليس بالبعيد أن من السخف اقتراحُ أن عمليات مبادئ اللغة البشرية يمكن أن تُختَزل إلى “دمج”، إضافةً إلى مبادئ الحوسبة الكُفُؤة المستقلة عن اللغة. لكن البحث خلال السنوات القليلة الماضية بيَّن أن عددًا ليس بالقليل من خصائص اللغة المتشابكة يَتبع مباشرة من مثل هذه الافتراضات.
[ومن تلك الخصائص المتشابكة] “الإزاحة”[58] الشائعة جدًّا [في اللغة] وهي خصيصة محيِّرة من خصائص اللغة. إذ تُفهم العباراتُ في موضع [من الجملة] لكنها تؤول في موضعين [منها]، وكلا الموضعين بارزان في الموضع الأصلي الذي كانت تحلُّه العبارة وفي موضع آخر ما، لكن الموضعين ممكنان نحويًّا. فالجملة:
Which book will you read.
“أيُّ كتاب سوف تقرأ؟”.
تعني تقريبًا:
For which book x, you will read the book x
“أيُّ كتاب x، سوف تقرأ الكتاب x”
بسماع العبارة الاسميةbook في موضع وتأويلها في موضعين. ولا يمكن أن تَدخل “الإزاحة” أبدًا في نظامٍ رمزي مصطَنع للرياضيات أو البرمجة أو أي غرض آخر. وافتُرض منذ زمن بعيد أن [“الإزاحة”] تمثِّل عدمَ كمالٍ غريب ومحير في اللغة البشرية. وتنشأ “الإزاحة” تلقائيًّا من “دمجٍ” بنسختين ـــــ وهما في هذه الحالة، نسختان [للعبارة] which book. ويَحصل التأويلُ الدلالي الصحيحُ مباشرة. [ومن هنا] فـ”الإزاحة” مع نسختين ليست عدمَ كمال بأي حال بل خصيصةٌ متوقعة لأبسط نظام. بل إن “الإزاحة”، في بعض المعايير، أبسط من “دمج”، ذلك أنها تتطلب مصادرَ حوسبية أقلَّ بكثير منها.
وتوفِّر العملياتُ نفسُها تأويلاتٍ دلالية متشابكة لبعض الخصائص مثل “الاعتماد الإحالي”[59] والتفاعل بين “السور والمتغيِّر”[60]. كما يترتب عليها نتائج أخرى عن طبيعة اللغة. انظر الجملة التالية:
The boys expect to see each other
“الأولاد يتوقعون أن يرى بعضهم بعضًا”.
حيث تُحيل [عبارة]each other على the boys وبذلك فهي تتماشى مع “شرط المحلية”[61] للاعتماد الإحالي. انظر الآن إلى الجملة:
Which girls do the boys expect to see each other?
“أي بنات يتوقع الأولاد أن يرى بعضهن بعضًا”[62]
فلا تحيل عبارةeach other إلى الاسم السابق الأقرب، أيthe boys ، كما تفعل مثل هذه العبارات في المواضع كلها؛ بل تحيل إلى اسم سابق أكثر بُعدًا، which girls . فتعني هذه الجمل:
For which girls the boys expected those girls to see each other?
“مَنِ البنات اللاتي يتوقع الأولاد تلك البنات أن يرى بعضهن بعضًا؟”
وذلك ما يَصل إلى الذهن بموجب الحوسبة التي تقوم على “دمج” المصحوبة بالنسخ التلقائية، مع أن ذلك ليس ما يصل إلى الأذن. أما ما يصل إلى الأذن فيخالف شرط محليةِ الاعتماد الإحالي.
ويترتب على حذف النسخة أثناء التظهير بعضُ المشكلات العملياتية. ومن ذلك أن مشكلات “مالئ الفجوات”[63]، كما يسمى، يمكن أن تصير معقدةً إلى حد بعيد، وهي من المشكلات الكبرى للتحليل التلقائي والإدراك الحسي. فتحدِّد الفجوةُ [-] في الجملة التالية، مثلًا:
Who do you think ___ left the show early?
الموضعَ الذي نُقل منه اسم الاستفهام [who] وهو ما أوجد اعتمادًا بعيدَ المسافة بين اسم الاستفهام والفعل المتصرف [left]. ولو لم تُحذف نسخةُ اسم الاستفهام لكانت المشكلة أقل. فلماذا حُذفت؟ [والإجابة] أن مبادئ الحوسبة الكفؤة تَختزل ما يُحوسَب إلى الحد الأدنى. إذ يجب أن تَظهر نسخةٌ واحدة في الأقل وإلا لن يَكون ثَمَّ دليل على أن “الإزاحة” قد انطبقت. فيجب، في الإنجليزية واللغات الشبيهة بها، أن تَكون تلك النسخةُ الأبرزَ بنيويًّا. والنتيجة هي أنْ تَترك فجواتٍ يجب أن يَملأها السامع. وهذا أمر يمكن أن يصبح معقدًا إلى حد بعيد.
وتبيِّن الأمثلةُ هذه ظاهرةً عامة مهمة. تلك هي أنه يبدو أن تصميم اللغة يدفع الكفاءة الحوسبية إلى أعلى مستوى، لكنه لا يأبه بالكفاءة التواصلية. ذلك أنه في كل مرة معروفة تتعارض فيها الكفاءة الحوسبية مع الكفاءة التواصلية، لا يؤبه بالكفاءة التواصلية. وتتعارض هذه الحقائق تعارضًا جذريًّا مع الاعتقاد الشائع، بل ما يكاد يكون اعتقادًا راسخًا، بأن التواصل هو وظيفةُ اللغةِ الأساسيةُ. يضاف إلى ذلك أن هذه الحقائق تُزعزِع أسسَ الافتراض بأن اللغة البشرية تطورت عن تواصل الحيوانات بصورة تدرُّجية مستمرة. كما توفر هذه الحقائق دليلًا على أن التظهير، الضروريُّ للتواصل، مظهرٌ هامشي للغة.
وثَمَّ أسباب منهجية وتطورية لأن نتوقع أن تصميم اللغة الأساسي سيكون بسيطًا إلى حد بعيد، بل أنْ يَكون قريبًا من الكمال. وتصح الحجج المنهجية نفسها، فيما يخص التظهير، كما هو حالُها دائمًا، أما الحجج التطورية فلا. بل ربما لم يَدخل التطورُ في تظهير اللغة إطلاقًا. ذلك أن الأنظمة الإحساسية الحركية كانت موجودة قبل ظهور اللغة بزمن طويل. ونَقْل لغةِ الفكر إلى بعض الأنظمة الإحساسية الحركية مشكلة إدراكية صعبة، إذ يَدخل فيه التنسيق بين نظام الكفاءة الحوسبية الداخلي ووسيطٍ إحساسيٍّ لا صلة له به. وربما يقع ما لوحظ في اللغة من تنوعات وتعقيد وتغيُّر في المقام الأول في التظهير. إذ يبدو واضحًا بشكل متزايد أن الأمر على هذا الحال؛ وهو ما ينبغي أن يُتوقع. إذ يَعرف الأطفال مبادئ اللغة الداخلية من غير دليل؛ كما أننا نعرف، في الواقع، قدرًا كبيرًا جدًّا عن اللغة، ويشمل ذلك خصائصها الدلالية كلها ومعظم خصائصها التركيبية. وهذا الأمر موضوع خلافيٌّ لكنه يقوم على أساس قوي، كما أرى.
وهناك الآن بعض الأسباب لأن نأمل بأن علم اللسانيات العصبية[64] المتنامي ربما يحدِّد الدوراتِ الكهربائية[65] في الدماغ التي يقوم عليها نظام الحوسبة. وقد راجعتْ أنجيلا فريدريتشي المتخصصة في اللسانيات العصبية في كتاب لها سيصدر قريبًا بحوثًا كثيرةً واعدةً إلى درجة عالية[66]. ووُقِّت نشرُ كتابها ليتوافق مع الذكري الخمسين لظهور كتاب إريك لينيبرك الكلاسيكي بعنوان Biological Foundations of Language[67]. وتقود بحوثُ فريدريتشي نفسُها إلى بعض الاقتراحات الجريئة والمتحدية. فهي توفر دليلًا على أن أحد العناصر الجوهرية في الحوسبة اللغوية يتمثل في مسار من الألياف الخلفية من المادة البيضاء[68] يَربط موضعًا محدَّدًا في منطقة بروكا[69]، وهو جزء من منطقة برودمان٤٤[70]، إلى القشرة الصدغية الخلفية[71]. وتقترح أن هذا المسار ربما يَكون “الحلقةَ المفقودة التي تطورت لجعل القدرة اللغوية التامة ممكنةً”. ويشير الدليل إلى أن هذا المسار الخلفي ضعيف جدًّا عند [قرود] المكاكي والشمبانزيات، وضعيف ومزود بقدر قليل من النخاع عند الأطفال المولودين حديثًا، لكنه قوي عند البشر البالغين المتمكنين من اللغة. وتلاحظ فريدريتشي أن القوة المتزايدة لهذا المسار “على علاقة ترابطية مباشرة بالقدرة المتزايدة لتحليل البنى التركيبية المعقدة”. وتَقترح تنوعاتٌ من نتائج التجارب أن “المسار الليفي هذا ربما يَكون أحد الأسباب وراء الاختلاف في القدرة اللغوية عند البشر البالغين مقارنة بالأطفال الذين لم يكتسبوا اللغة بعدُ والقرود”. وتَقترح فريدريتشي أنه يبدو أن هذه البنى “تطورت لتُساعِد قدرات البشر على تحليل التركيب[72]، وهو بؤرة القدرة اللغوية البشرية”. وربما ستأتي بعض الاكتشافات العميقة اللافتة في هذه المجالات تحديدًا.
دعنا نعود إلى المكوِّن الثاني في نظامٍ حوسبي، أي عناصره النووية. وسوف تَكون هذه العناصر، في حال اللغة، وحداتِها المعجمية. ووجهة النظر المعهودة أن هذه [العناصر] منتجاتٌ ثقافية، وأن الوحدات الأساسية منها ترتبط بوحدات خارج الذهن. وقد تبنَّى الباحثون كلهم تقريبًا هذه العقيدة التمثيلية[73] بشكل عامٍّ في العصر الحاضر. ويبدو أن هذه العقيدة صحيحة فيما يخص التواصل الحيواني. إذ ترتبط صيحات القرود بأحداث مادية محددة. لكن هذه العقيدة زائفة فيما يخص اللغة البشرية، وهو ما عُرف منذ اليونان القديمة.
فقد سأل [الفيلسوف اليوناني] هيراكليتوس[74]: كيف لنا أن نعبُر النهرَ مرتين؟ ولماذا يُفهم مظهران على أنهما مرحلتان من النهر نفسه؟ وحين نتأمل السؤال تَظهر محيِّراتٌ كثيرة. افترض أن تيار النهر عُكس مسارُه. [وفي هذه الحال] سيظل النهر هو نفسه. ولنفترض أن تيار النهر صار يتكون من خمسة وتسعين بالمائة من مادة سامة بسبب المخلفات التي ترمى فيه. وسيظل النهر هو النهر [في هذه الحالة أيضًا]. والشيء نفسه صحيح في تغيرات أخرى أكثر جذرية.
ولن يكون النهر، من وجهة نظر أخرى، نهرًا أبدًا إذا حدثت له بعض التغييرات البسيطة جدًّا. فإذا بُنيت على طرفيه حواجز ثابتة واستعمل [لعبور] ناقلات النفط فهو قناة لا نهر. وإذا تعرَّض سطحُه لتغيير بسيط جعله أقوى، ورُسم خطٌّ في وسطه واستُخدم للدخول والخروج من المدينة فهو طريق، ولا يعود نهرًا[75]. وإذا توسعنا في فحص الأمر نكتشف أن ما يعدُّ نهرًا يعتمد على بعض التصرفات الذهنية والمعمار. والشيء نفسه صحيح حتى في أكثر التصورات أولية مثل: شجرة وماء وبيت وشخص ولندن، بل حتى في أي كلمات أساسية في اللغة البشرية. فتخالف اللغةُ والفكر البشريان بصورة مطردة العقيدةَ التمثيلية[76].
وتُكتَسب معرفتنا المتشابكة حتى لما تعنيه أبسط الكلمات دائمًا تقريبًا من غير تجربة. ويكتسب الأطفال، عند ذروة فترة اكتساب اللغة كلمةً واحدة تقريبًا كل ساعة، وغالبًا ما يكون ذلك بسماعهم لها مرة واحدة[77]. [ومن هنا] يجب أن يكون المعنى الغني حتى لأكثر الكلمات بساطة فِطريًّا [داخليًّا] إلى حد بعيد.
والأصل التطوري لتصورات مثل هذه لغزٌ خالص تمامًا.
ويجب أن تعاد صياغة التحدي الغاليلي لتمييز اللغة عن الكلام، ولتمييز إنتاج [اللغة] عن المعرفة الداخلية [بها]. فيُنتِج نظامُ الحوسبة الداخلية عندنا لغةَ فكر، وهي نظام ربما يكون بسيطًا إلى حد بعيد، وهو ما يتماشى مع ما يوحي به السّجلُّ التطوري. وتَنقل عملياتٌ ثانوية بنى اللغةِ إلى واحد من الأنظمة الإحساسية الحركية أو آخر من أجل التظهير. ويبدو أن هذه العمليات تمثِّل بؤرةَ السلوك اللغوي وتعقيده وتنوعه وتحولاته عبر الزمن.
وظلت أصول النُّويّات الحوسبية لغزًا خالصًا. وكذلك السؤال الديكارتي عن كيف يمكن أن تستعمل اللغة بطريقتها الإبداعية المألوفة، بطريقة ملائمة للسياقات لكن هذه السياقات لا تحدِثها، فهي تُستَحث وتمال لكنها لا تُرغَم. ويوجد اللغز حتى في أبسط أشكال الحركة الطوعية.
وقد تعلمنا قدرًا كبيرًا جدًّا عن اللغة منذ بداية برنامج اللسانيات الأحيائية. ومن الإنصاف القول، كما أظن، أننا تعلمنا قدرًا أكبر عن طبيعة اللغة وعن تنوعات واسعة جدًّا من اللغات المختلفة من حيث الأنماط اللغوية، يفوق [ما تعلمناه طوال] ألفين وخمسمائة عام من تاريخ دراسة اللغة. فقد برزت أسئلة جديدة، وبعضها محير إلى حد بعيد. وقادتنا بعضُ الإجابات المفاجئة لتعديل ما كان يُعتَقد لأزمان طويلة عن اللغة والعمليات الذهنية عمومًا. وكلما تزايد ما تعلمناه اكتشفنا المزيد مما لم نكن نعرفه.
وتَزايَد مقدارُ حيرتنا كما يبدو.
أصلُ هذه المقالة محاضرة ألقاها تشومسكي في المكتبة الوطنية الفرنسية، نوفمبر ٢٤، ٢٠١٦[78].
[1] انظر: Noam Chomsky, The Minimalist Program, (Cambridge, MA: MIT Press, 1995), 1-2.
نعوم تشومسكي: “البرنامج الأدنوي”.
[2] وكلام غاليليو بلغته الإيطالية الأصلية هو:
Ma sopra tutte le invenzioni stupende, qual eminenza di mente fu quella di colui che, s’imagginò di trovar modo di communicare i suoi piú reconditi pensieri a qualsivoglia altra persona, benché distante per lunghissimo intervallo di luogo e di tempo? parlare con quelli che non nell’Indie, parlare a quelli che non sono ancora natie né saranno se non di qua a mille e dieci mila anni? e con qual facilità? con i vari accozzamenti di venti caratteruzzi sopra una carta.
Galileo Galilei, Dialogo sopra i due massimi sistemi del mondo (Dialogue Concerning Two Chief World Systems) (Florence: Gian Battista Landini, 1632). Translation by the editors.
غاليليو غاليلي، حوار عن نظامين رئيسيين للعالم.
[3] والنص الأصلي الفرنسي هو:
Il nous reste à examiner ce qu’elle a de spirituel, qui fait l’un des plus grands avantages de l’homme au-dessus de tous les autres animaux, et qui est uni des plus grandes preuves de la raison : c’est l’usage que nous en faisons pour signifier nos pensées, et cette invention merveilleuse de composer de vingt-cinq ou trente sons cette infinie variété de mots, qui, n’ayant rien de semblable en eux-mêmes à ce qui se passe dans notre esprit, ne laissent pas d’en découvrir aux autres tout le secret, et de faire entendre à ceux qui n’y peuvent pénétrer, tout ce que nous concevons, et tous les divers mouvemens de notre ame.
Antoine Arnauld and Claude Lancelot, Grammaire générale et raisonnée de Port-Royal (Paris: Munier, 1803), 270. First published in 1660. Translated [to English] by the editors [of this periodical].
“النحو العام والعقلي لبورت رويال”.
[4] Second Meditation
[5] René Descartes, The Philosophical Writings Of Descartes, vol.2, trans. John Cottingham et al. (Cambridge: Cambridge University Press, 1984), 40
“كتابات ديكارت الفلسفية”.
[6] Discourse on Method, Part V
[7] René Descartes, Discours de la méthode: pour bien conduire sa raison, & chercher la vérité dans les Sciences: Plus La dioptrique, et Les météores. Qui sont des essais de cette méthode (Paris: Theodore Girard, 1667).
[8] أخذ هذا النص من النص الأصلي الألماني التالي:
Das Verfahren der Sprache ist aber night bloss ein solches, wodurch eine einzelne Erscheinung zu Stande kommt; es muss derselben zugleich die Möglichkeit eröffnen, eine unbestimmbare Menge solcher Erscheinungen und unter allen, ihr von dem Gedanken gestellten Bedingungen hervorzubringen. … Sie muss daher von endlichen Mitteln einen unendlichen Gebrauch machen…
Wilhem von Humboldt, “Ueber das vergleichende Sprachstudium in Beziuehung auf die verschiedenen Epochen der Sprachentwicklung” (On the Comparative Study of Language and its Relation to the Different Periods of Language Development) in Gesammelte Schriften, vol. 7 (Berlin: Behr, 1907), 98-99. Translated by the editors.
[9] Alonzo Church, Kurt Gödel, Emil Post, Alan Turing.
[10] Basic Property of human language.
[11] Faculty of language.
[12] Externalized”أي يُنطق أو يؤشَّر به” [المترجم]
[13] Sensory modality
[14] انظر، مثلًا :
Jerry Fodor, The Language of Thought (New York: Crowell, 1975).
جيري فودور، لغة الفكر.
[15] Sensorimotor externalization.
[16] أي إنتاج اللغة [المترجم]
[17] Perception
[18] Short memory
[19] Emilio Bizzi and Robert Ajemian, “A Hard Scientific Quest: Understanding Voluntary Movements,” Daedelus 144, no, 1(2015): 93.
“مطلب علمي صعب: فَهمُ الحركات الطوعية”.
[20] المقصود بـ”اللغات الداخلية” عند تشومسكي هو صورة اللغة في أذهان المتكلمين، وهي تختلف عن “اللغة الخارجية” المتمثلة ماديًّا في شكلها المنطوق [المترجم]
[21] Biolinguistics
[22] Universal Grammar
[23] Generative Grammar
[24] Gunther Stent.
[25] J. M. Slack.
[26] From Egg to Embryo
[27] Gunther Stent, “From Probability to Molecular Biology,” Cell 36 (1984): 569.
[28] انظر:
Michael Sherman, “Universal Genome in the Origin of Metazoa: Thoughts about evolution,” Cell Cycle 6, no. 15 (2007): 1,873-77.
[29] بمعنى الأجزاء الصغرى التي تدخل في تركيب أشياء معقدة.
[30] انظر القسم ٢ من الفصل الرابع بعنوان:
“The Structure of the Lexicon,” in Noam Chomsky, Aspects of the Theory of Syntax (Cambridge, MA: MIT Press, 1964).
[ترجمه إلى اللغة العربية الدكتور مرتضى جواد باقر بعنوان: جوانب من نظرية النحو، بغداد: وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، جامعة البصرة، ١٩٨٥م[المترجم]].
[31] Willard Von Orman Quine [(٢٥ يونيو ١٩٠٨م – ٢٥ ديسمبر ٢٠٠٠م)، أستاذ في جامعة هارفارد، وفيلسوف، وكثيرًا ما يشير إليه تشومسكي مبيِّنًا الاختلافات في وجهات النظر بينهما [المترجم]].
[32] W, V, O. Quine, Word and Object (Cambridge, MA: MIT Press, 1960).
[33] وكلام غاليليو بالإيطالية هو:
“La natura no opera con molte cofe quell oche può operar con poche.” Galilei, Dialogo sopra I due massimi sistemi del mondo (Florence: Gian Battist Landini, 1632), 110. The first English translation, by Thomas Salusbury and published in 1661, provides the following formulation: “Nature never doth that by many things, which may be done by a few.” Galilei, The Systeme of the World: in Four dialogues, trans. Thomas Salusbury (London: William Leybourne, 1661), 99.
[34] Swapan Mallick et al., “The Simons Genome Diversity Project: 300 Genomes from 142 Diverse Populations,” Nature 538 (2016): 201-6, doi:10. 1038/nature18964.
[35] San people[قبائل تسكن في جنوب إفريقيا[المترجم]]
[36] Phonetic clicks
[37] Riny Huijbregts
[38] Riny Huijbregts, “Phonemic Clicks and Mapping Asymmetry: How Language Emerged and Speech Developed,” Neuroscience &Biobehavioral Reviews (2017), doi:10.1016/j.neubiorev.2017.01.041.
[39] Genetic endowment
[40] Structure-dependence
[41] Linear order
[42] بنت + فعل الكون
[43] Bigram frequency
[44] Big Data
[45] agreement
[46] التأويل الأول: أن الرجل رأى رجلًا من خلال التلسكوب. والتأويل الثاني: أن الرجل رأى رجلًا ثانيًا يحمل تلسكوبًا [المترجم].
[47] انظر مثلًا:
Stephen Crain and Mineharu Nakayama, “Structure Dependence in Grammar Format,” Language 63, no. 3 (1987): 522-43. For a different point of view, see Ben Ambridge, Caroline Rowland, and Julian Pine, “Is Structure Dependence an Innate Constrain? New Experimental Evidence from Children’s Complex-Question Production,” Cognitive Science 32, no. 1 (2008): 222-55. For a response and further discussion, Stephen Crain, Loes Koring, and Rosalind Thornton, “Language Acquisition from a Biolinguistic Perspective,” Neuroscience &Biobehavioral Reviews, in press.
[48] Robert Berwick, Paul Pietroski, Beracah Yankama, and Noam Chomsky, “Poverty of the Stimulus Revisited,” Cognitive Science 35, no, 7 (2003): 774-81.
[49] انظر مثلًا:
Mariacristina Musso et al., “Broca’s Area and the Language Instinct,” Natural Neuroscience 6, no. 7 (2003: 774-81.
[50] Neil Smith and Ianthi-Maria Tsimpli, The Mind of a Savant: Language, Learning and Modularity (Oxford: Blackwell, 1995).
[51] innate
[52] recursive
[53] يشير هذا النوع من الأقواس، في “نظرية المصفوفات” set theory، إلى أن العناصر الموجودة في داخلهما غير مرتَّبة؛ أي لا تسبق إحداهما الأخرى ولا تلحقها [المترجم].
[54] Merge
[55] يعني أننا لا نستطيع أن نتكلم اللغة بصورتها الداخلية المركَّبة تركيبًا غير خطي [المترجم]
[56] انظر مثلًا:
Ann Senghas, Sotaro Kita, and Asli ÖzyÜrek, “Children Creating Core Properties of Language: Evidence from and Emerging Sign Language in Nicaragua, Science 305 (2004): 1,779-82, Wendy Sandler et al., “The Emergence of Grammar: Systematic Structure in a New Language,” Proceedings of the National Academy of Sciences of the United States of America 102, no. 7 (2005): 2,661-65.
[57] انظر مثلًا:
Attila Andics, “Neural Mechanisms for Lexical Proccing in Dogs,” Science 353, no. 6, 303 (2016): 1,030-32, doi:10.1126/science.aaf3777.
[58] Displacement
[59] Referential dependence
[60] Quantifier-variable
[61] Locality condition
[62] تختلف اللغة العربية عن الإنجليزية في هذا المثال بسبب الصرف الذي يميز بين المذكر والمؤنث [المترجم]
[63] Filler-gap
[64] Neurolinguistics
[65] Circuitis
[66] Angela Friederici, (forthcoming) Language in Our Brain (Cambridge: MIT Press, 2017). The quotes that follow are taken from the book, listed for publication in December 2017.
[67] Eric Leeneberg, Biological Foundations of Language (New York: John Wiley & Sons, 1967).
“الأسس الأحيائية للغة”
[68] White matter dorsal fiber tract
[69] Broca’s area
[70] Brodmann area
[71] Posterior temporal cortex
[72] syntax
[73] Representationalist doctrine
[74] Heraclitus
[75] Consider the small Parisian street “la rue Bièvre” which in medieval times was a flowing stream, but once filled in, became a rue. See Wikipedia, “Rue do Bièvre.”
“انظر إلى الشارع الباريسي الضيِّق la rue Bièvre الذي كان في العصور الوسطى نهرًا صغيرًا، لكنه حين طُمِر، صار شارعًا”، انظر عنه موسوعة ويكيبيديا.
[76] ولمثل هذه الأسباب، عَرَضًا، فمقاربات التعلّم العميق التي تقوم على تعرُّف الوحدات المادية لا يمكن من حيث المبدأ أن تكتشف معاني الكلمات.
[77] Ping Li, Xiaowei Zhao, and Brain MacWinney, “Dynamic self-Organizastion and Early Lexical Development in Children,” Cognitive Science 32, no. 4 (2007): 581-612.
[78] Conférence de Naom Chomsky à la Bibliothèque Nationale de France, November 24, 2016.