فتغنشتاين وفرويد وعلاجية اللغة: إدراك الواضح أم تأسيس الأساطير؟
ماري غيوت. ترجمة: مروان محمود. مراجعة: أروى الفهد – إبراهيم الكلثم

ملخص الورقة
إن الرابطَ الأجْلَى الذي يُمكن من خلالهِ مقارنة الفيلسوف «فتغنشتاين» بمؤسس مدرسة التحليل النفسيّ «فرويد» هو أنهما معالجان لِلُّغة. واستنادًا على التأكيد المفاهيمي بأن «معالجة الفلاسفة للأسئلة هي بمثابة معالجة الأمراض.» (تحقيقات فلسفية، فقرة 255)، فإن فتغنشتاين يؤسس فكرَهُ لمعالجة الأمراض النحوية والدلاليّة والالتباسات المفاهيميّة الناتجة عنها. على ذات النّسَق، يتجه نظر فرويد إلى جميع الاختلالات التي تنكشف في سيرورة الكلام؛ كالتورية، وزلّات اللسان، والأحلام كذلك، وهذه الأخيرة -وهي أهمّها- ترتبط بالبارادايم اللُّغوي؛ إذْ تُعد أُحجِيّات أو نصوصًا مشفرة تدفع إلى حَلٍّها وفكِّ تشفيرها. وقد تبدو هذه المقارنة قابلة للدحضِ من أصلها وفق التعارض التالي: حيث تُعدّ «تشوّهات اللغة» بالنسبة لفتغنشتاين مسببات الأمراض، ويُسمّيها: «تشنجات ذهنية» (الكتاب الأزرق والبني، صفحة 59)، و«أمراض الفهم» (ملاحظات على أسس الرياضيات، صفحة 157)، بينما بالنسبة لفرويد، فتشوّهات اللغة إنما هي أعراض تحجب مشكلات أعمق ذات طبيعة أخرى. أي أنَّ اضطرابات الكلام بالنسبة لفتغنشتاين تأتي في المرتبة الأولى في سلسلة مسببات الأمراض، بينما عند فرويد تأتي أخيرًا. ومع ذلك فهذا التعارض قد يكون سطحيًّا؛ فبحسب فتغنشتاين، وبدقيق العبارة، لا يمكن للُّغة على هذا النحو أن تكون مسؤولةً عن الأمراض الفلسفية؛ لأنَّ هذا لا يتّسق مع ادِّعاء: «أنَّ كل جملةٍ من لغتنا «مرتبة كما هي» […] فحيث يوجد مَعْنى ينبغي أن يوجد نظامُ ترتيبٍ مثالي [يُطابقه].» (تحقيقات فلسفية، فقرة 98)، إذ إنَّ اللغة في جوهرها ليست مضللةً أو منحرفة، فلا يمكن أن تلغي تنظيم نفسها تلقائيًا. وعليه، فلا بد أنه يوجد سببٌ مسبق للأمراض اللغوية، والذي يتعين البحث عنه وراء محايثة القواعد النحوية. كما يبدو أنَّ فتغنشتاين وجد هذا السبب في اللاوعي، وذلك في رغبة الفهم الميتافيزيقية لكسر القواعد، «جرّاء اصطدام رأسه بحدود اللغة» (تحقيقات فلسفية، فقرة 119).إذن، فبالنسبة لفتغنشتاين وكذلك فرويد، فإن الاختلالات اللغوية عبارة عن تمظهرات، وليست الأسباب النهائية للأمراض التي يمكن العثور على مصدرها في رغبات العقل البشري المكبوتة(1).