توطئة:
كان لودفيج فتغنشتاين* من أبرز مفكرّي اللغة للقرن الماضي (ق 20)؛ حيث اشتهرت تحليلاته العميقة والمؤسّسة في مجالي: المنطق واللغة، خاصّةً فيما بين المهتمين بالفلسفة المعاصرة. فكيف تناول هذا الفيلسوف مشكلة حدود اللغة؟ وعلى أيّ أسس فلسفية وضَعَ تصوّره للغة بما هي صورة منطقية للعالم؟ ثم لماذا استعاض عنها فيما بعد بتصوّر آخر، يعدُّها فيه صورةً للحياة؟
لئن كانت فرادة هذا الفيلسوف متجلّيةً، بالخصوص، في حرصه الشديد على عدم الخروج عن مستوى اللغة في تحليل قضايا الفلسفة والمنطق والعلم[1]؛ فقد تحدّدت اللغةُ على ضوء نموذجه المنطقي الأول (مرحلة كتاب “رسالة منطقية فلسفية”) بوصفها صورةً منغلقةً على نفسها؛ بحيث لا تحيل إلاّ على ذاتها. والمعلوم من هذا أنّ المنطق يتحوّل في سياق هذا النموذج الدلالي التأويلي ليكون محايثًا للغة، بحيث لا يبقى غريبًا عن اللغة[2].
تماشيًا مع هذا المنظور، رفض فتغنشتاين اعتبار الصياغة الصورية للعبارات والقضايا مجرّد تمثّلٍ صوريٍّ لواقع غير لساني؛ وذلك لأنّ المنطق لا يتعلّق بتفسير مسألة إذا كان عالمنا في كونِه كذلك في الواقع[3]. تبقى قضايا المنطق، من خلال هذا المنظور، مجرّد تحصيلات حاصل؛ إذ ليست لها أيّ علاقة صورية بالوجود الخارجي؛ كما أنّ الصورة المنطقية لا تلتزم بأنطولوجيا الوجود الواقع[4].
لا تتقيّد القضيةُ المنطقية بأنطولوجيا معيّنة ما دام أنّ أيّ عبارة لغوية لن توجد بشكل مطلق وبالنحو نفسه الذي توجد به في دالة الصدق المنطقية[5]. وبذلك اعترض فتغنشتاين على مسألة وضع قانون متميّز للمتغيّرات والثوابت المنطقية في بناء نسَقِه المنطقي؛ لأنّه لا توجد موضوعات منطقية أو ثوابت منطقية بالمعنى الذي يتناوله فريجه وراسل[6]. والظاهر من هذا الموقف أنّه يتعيّن على المنطق أن يبقى في حياد تام حيال وقائع العالم الخارجي؛ ولذلك لا يشترط الاقتضاء الأنطولوجي للحدود المكوّنة للقضايا المنطقية في نسقه المنطقي، وهذا ما يعني أنّه يرفض تسوير الحدود المنطقية[7].
يُناكف هذا التصوّرُ المنطقي للغة في كتاب “رسالة منطقية فلسفية” عن وجود لغة منطقية فوقية يمكن أن تختزل إليها اللغات كلّها، بما فيها العادية التي صورتها النحوية سطحية تخفي المنطق الذي تعبّر عنه. فمتى تبيّن أنّ جملة ما في اللغة الطبيعية لا تقبل أن يعاد بناؤها في لغة المنطق الكلية، كان ذلك يعني كونها خاليةً من المعنى؛ ممّا يستوجب إقصاؤها اعتبارًا من كون كلّ ما يخرج عن نطاق المنطق ليس سوى عرضيٍّ، كما قال فتغنشتاين في الفقرة .36 من الرسالة[8].
يتلخّص هذا الموقف في عبارة فتغنشتاين: “يلزم السكوت عمّا لا نستطيع قوله بوضوح”؛[9] بالتالي، يصبح كلّ ما يمكن أن يقال بوضوح، هو مجرّد قضايا متّفق عليها في دائرة العلم. وبالنسبة لهذا الموقف يصبح كلّ ما هو متضمّن في اللغة ليس قابلًا للتعبير عنه، ويعني أنّه لا يقبل التعبير عنه بصفة دقيقة ونهائية. ويشمل هذا الذي لا يمكن التعبير عنه كلًّا من المنطق والفلسفة، وتبعًا لهذا الأمر يصبح المنهج الأمثل لتعليم الفلسفة كامنًا في التزام المرء ببعض قضايا العلوم، وخاصةً تلك التي تقرّرت بكلّ وضوح، تاركًا بذلك تلك الأفكار الفلسفية الخالية من المعنى في الجانب[10].
اللغة إذن ملغزة، والتعبير الصحيح فيها يظلّ معجزة أيضًا؛ لكن، ماذا يعني أن نكون مدركين لهذه المعجزة؟ يصطدم ما يمكن قوله بخصوص تحويل التعبير عن الإعجاز من تعبير عن طريق اللغة إلى التعبير بوجود اللغة بتلك الحدود التي ترسمها لنا اللغة؛ حيث لا نستطيع التعبير عمّا نودّ قوله بوضوح دائم؛ لذا، الأقوال التي نعبّر بوساطتها عن العالم تصبح هراءً، أو خاليةً من المعنى، لا لكوننا لا نعثر فيها عن الوضوح اللازم وإنّما لأنّ ما نقوله غامضٌ رغم كونه أساسيًّا في لغتنا المتداولة.
الواقع أنّ ما يريده الإنسان ويسعى إلى فعله باستعمال اللغة هو أن يذهب إلى ما وراء هذا العالم؛ ليتمكّن من أن يقول ما يتعدى التعبيرات المباشرة ذات المعنى الواقعي؛ لذلك، أصبحت غاية جميع الذين حاولوا أن يكتبوا ويتكلموا عن الأخلاق والدين هي هذه المواجهة التصادميّة مع حدود اللغة التي دأبنا على استعمالها في متداولنا اليومي؛ وهذه هي المواجهة التصادمية مع جدران قفصنا الميْؤوس منه[11].
إنّ هناك حدودًا لتحقّق الصدق، كما توجد حدودٌ للمعنى نفسه، فالواقع التجريبي لا يضيف شيئًا لمعنى القضية المنطقية كما تبيّن الرسالة؛ وذلك لأنّ عملية التحقّق ذاتها مجرّد مسألة منطقية. وإذا كان هذا المعنى المنطقي هو الممكن الوحيد، فعند ذلك سيكون اللامعنى هو الغالب؛ بل والأكثر حضورًا من حيث هو تجّلٍّ لحصول الانقطاع بين اللغة والعالم. والسؤال الممكن طرحه بهذا الخصوص هو: إلى أيّ حدٍّ يمكن أن يصبح موقفُ الصمتِ البديلَ الراجح في حالة استحالة الوضوح وتحقّق المعنى؟
يقصد باللامعنى، هنا، وصف الحالة التي لا نعرف فيها ما إذا كان ما نقوله صادقًا أو كاذبًا، وهي تجسيد لحالة الانقطاع بين اللغة والعالم؛ حيث تضيق العبارة عن تمثّل العالم. فما تمثّله القضية المنطقية، والحالة هاته، هو المعنى المتضمّن فيها فقط، في حين تكون اللغةُ أوسعَ بكثير من أن تعبّر عنها هذه القضية فقط، خاصّةً عندما تقطع العلاقة التمثيلية بين صنف القضايا الأولية وتلك الوقائع الأولية في العالم. ويحدث هذا الأمر، عادةً، عندما تستعمل اللغة في قول شيء ما عن نفسها؛ ففي مثل هذه الحالة يدور الحديث حول معنى رموزها أو حول ما هو مشترك بينها والعالم. وقد يحدث اللامعنى، أيضًا، وعندما تستعمل اللغة في الحديث عمّا لا وجود له أصلًا في هذا العالم، مثل الحديث عن الأمور الميتافيزيقية المفارقة[12].
يلزم السكوت في هذه الحالات كلها التي يتسيّد فيها اللامعنى مشهدَ القول؛ وبالتالي عدم قول غير ما يظهر بوضوح. وبحسب هذا الموقف الصريح في الرسالة من اللغة، غدا واضحًا، بالنسبة لفتغنشتاين، كون مجال القول محكومًا بما يمكن التعبير عنه بوضوح، وأنّ قضايا اللامعنى هي كذلك لأنها لم تحترم واجبَ الصمت، وليس لكونها غير خاضعة لمبدأ التحقيق الماصدقي. مثل هذه القضايا تنكشف في إطارِ ما يمكنُ إظهاره وليست ضمن نطاقِ ما يمكنُ قوله؛ لذلك، فالرسالة لا تنتهي إلى إدانة وضعية للميتافيزيقا، كما سيقول الوضعيون بذلك؛ بل إلى التزام الصمت في الفلسفة فقط[13].
لقد اختلف فتغنشتاين عن فريجه وراسل وكارناب في تصوّره للغة؛ حيث سعى إلى وضع الحدود التي تجعل اللغةَ تلتزم الصمتَ حيث يجب الصمتُ، في حين بحَث هؤلاء الشروطَ التي تمكّن اللغةَ ليس فقط من الحديث عن الأشياء؛ ولكن كذلك من الحديث عن نفسها. فالصمت الذي دعا إليه فتغنشتاين ليس مشكلة ولكن علامة على ممارسة سليمة للفلسفة؛ حيث يلزم احترام حدود اللغة بما أنّ حدود اللغة التي نتحدّث بها هي حدود هذا العالم الذي نعيش فيه[14].
إنّ عدم القدرة على التعبير عمّا هو صوفي لا يعود إلى نقص في التصوف، ولا إلى نقص في اللغة، وإنّما المشكلة في عدم صبرنا على الفراغ الذي يتركه التزامُ الصمت بخصوص القضايا التي لا نستطيع التعبير عنها بوضوح. فلئن كان على اللغة أن تكفي ذاتَها بذاتِها؛ فإنّه يتوجب علينا نحن الذين نستعملها أن نقتنع بالصمتِ حيث يجب الصمتُ، استجابةً للتفلسف الحقيقي المنفتح على التصوف.
أكثر من ذلك، رأى فتغنشتاين في التصوف الذي انتهى إليه في الرسالة اكتشافًا مهمًّا في الفلسفة، أي ذلك “الاكتشاف الذي جعله قادرًا على التوقّف عن التفلسف حيث يلزم ذلك ويريد تبنّيه بوصفه موقفًا فكريًّا روحيًّا[15]. والواضح أنّ عملية رمي السلّم لدى فتغنشتاين تعدّ علامةً فارقةً على ممارسة نوع من التفلسف الأصيل بوصفه نوعًا من التمرين الفلسفي.
كان فتغنشتاين في كتاب “رسالة منطقية فلسفية” مهتمًّا، قبل كل شيء، بإظهار كيف أنّ قضايا المنطق الصوري، ومن ثم قضايا الفلسفة، محكومٌ عليها أن لا تفيد معلومات عن العالم، وإنما أن تكون قادرة، وبطريقة واضحة، على تفسير تلك القضايا التي تفيد معلومات عن العالم، أي قضايا العلوم الطبيعية. فلا تكمن مهمّة الفلسفة في القدرة على تسجيل الوقائع وتفسيرها، وإنما هي أن تصحّح سوء استخدامنا للغة في التعبير عن تلك الوقائع المسجّلة؛ لكن، المنطق الصوري قد أخفق، كما الفلسفة كذلك، في إرضاء المتطلبات التي صيغت حديثًا للعلم الاستدلالي والاستقرائي على حدٍّ سواء.
نتيجة لذلك، تراجع فتغنشتاين عن تصوّره السابق في الرسالة، عندما تخلّى عن برنامج اللغة المنطقية الفوقية الواصفة للغات كلِّها بما فيها العادية[16]. ثمّ صرف “بحوثه الفلسفية” إلى الاشتغال بظاهرة التواصل التي تتم عبر لغة المحادثة اليومية التي تتكوّن استنادًا إليها صور الحياة، آخذًا بالاعتبار استخدامات اللغة عبر السياق[17].
ولأجل هذا التحوّل غيّر هذا الأخير من تصوّره للمعنى خاصّةً الذي كان يقول به في كتاب الرسالة؛ حيث رأى في كتاب “أبحاث فلسفية” أنّه حيثما يوجد المعنى فثمّة هناك نظامٌ تامٌّ، وهذا يعني أنّ النظام التام يجب أن يوجد أيضًا في الجملة الأكثر إبهامًا[18]؛ لذا دافع فتغنشتاين في “المرحلة الثانية” من فكره عن التحليل الفلسفي للغة العادية الذي يقتضي بوجود صلة وثيقة بين اللغة والنشاط التواصلي[19]. فبينما كانت “الرسالة” لا تحكم بالوجود إلَّا على العبارات الإثباتية التي تخبر بشيءٍ عن الواقع (وهي بالأساس قضايا العلم الطبيعي)؛ لم تعد “الأبحاث” ترى في العبارات اللغوية غير لعبة من ألعاب اللغة التي لا يمكن اختزال بعضها إلى بعض[20].
تأسيسًا على هذا الانعطاف الجديد نحو اللغة الطبيعية (لغة الاستعمال اليومي) أصبح التمكّنُ من مهارة قواعد اللعب اللغوي ضروريًّا لفهم اللغة. ويتوقّف التعرّف على هذه القواعد الجديدة على بلورة معنى عمليٍّ للاستعمال؛ حيث تنتمي اللغة والفعل في هذا المستوى إلى أنموذج واحد، هو أنموذج ألعاب اللغة. فالتمكن من قواعد اللعب هذه، حسب تصوّر فتغنشتاين، هو ما يفيد في فَهم كيف تكون أفعال اللغة صورًا لحياتنا المعيشة[21].
يعد نموذج ألعاب اللغة، بما هو صور حياتنا اليومية، بمثابة الإطار المرجعي الذي يتعلّم فيه المرء السلوكَ كلّما تدرّب على لغة جماعته[22]؛ ولذلك يعد تعلّم اللغة هو ذاته تعلّمُ طريقة النظر إلى الأشياء ضمن سياق لسانيٍّ ثقافيٍّ معيّنٍ. إنّها اكتساب لافتراضات جديدةٍ تمكِّن من ممارسات تكتسب منها جملُ هذه اللغة معانيَ ودلالاتٍ أخرى حسب سياقات استعمالها[23].
بهذا المعنى، أصبحت اللغة أمرًا محكومًا بسيرورات التواصل الجاري ضمن الجماعة اللغوية، يتقاسم أعضاؤها كمًّا هائلًا من الاستعمالات المشتركة للغة نفسها المتداولة بينهم. كذلك، يغدو استعمال الرموز مقرونًا بالاستجابات لتوقعات السلوك والإجماع والمواضعة التي تحكم تحقّق هذه التوقّعات، وبذلك تصبح اللغة تداوليةً[24].
من جهة أخرى، عدَّ فتغنشتاين ألعاب اللغة بمثابة موضوعات للمقارنة (Vergleichsobjeckte)، تتوجّه للقيام بفعل الإنارة ضمن شروط لغتنا العادية من خلال التشابهات والاختلافات[25]. واللغة باعتبارها صورة الحياة، هي اللغة الطبيعية التي تشكّل فضاءً للتواصل ولألعاب اللغة التي تتكون استنادًا إليها صورُ الحياة العاكسة للتعقيد والغنى الذي يسمح به تنوع سياق الاستعمال. فالنشاط التواصلي الجاري هو ما يغني اللغة ومن خلالها، فالعبارة اللغوية لا تنحصر في صنف الأقوال الإثباتية، وإنما هي لعبة من بين ألعاب لغوية مختلفة وكثيرة لا يمكن حصرها أو اختزالها ورد بعضها إلى أخرى.
إذن، فاللغة عمومية عند استعمال الرموز والعبارات؛ لأنّها تسمح بتوقع حصول استجابات وتفاعلات سلوكية واجتماعية لدى أفراد الجماعة اللسانية؛ لذلك كان حديث فتغنشتاين عند اتّباع القاعدة مقرونًا باستعمال الجماعة لها، فما دام الفرد الواحد ليس بإمكانه أن ينتجها وحده، فالأحرى اتّباعها من تلقاء ذاته[26]؛ إذ يُعد اتّباع القاعدة مسألةً عموميةً تتحدّد بالممارسة المؤسّساتية والاجتماعية للغة، فضلًا عن كونها بديهية فيما نعده استعمالًا سليمًا أو غير سليم من الأقوال التي نستخدمها. إنّها تسوّغ تطبيقنا للعبارات وردود أفعالنا من خلال ما ننجزه من أقوال وأفعال؛ بحيث يكون الاتفاق الذي يحصل بين الأفراد هو ما يسمح بظهور هذه القاعدة المتبعة[27].
خاتمة:
إنّ الفلسفة، بالمعنى الذي يتحدّث عنها فتغنشتاين، لا يمكنها إلاّ أن تكون أفقًا رحبًا للفكر؛ إذ ليس يوجد “المخرج الوحيد للتفلسف”. هنا، تجاوز هذا الفيلسوفُ ضيقَ الأفق العقلاني الذي وضعت فيه بعضُ النزعات الفلسفية الكلاسيكية مفهومَ التفلسف حين اعتقدت في المعنى الواحد للفلسفة[28]. وربما تكون هذه القناعة رجْعَ صدى موقفٍ صوفيٍّ عبّر عنه في الدعوة إلى “التزام الصمت” في القضايا التي لا يمكن قولها بوضوح. غير أنّه، في هذه الحالة، ليس للتحليل الفلسفي للغة وللعالم ما يقوله غير رمي السلّم وتجنّب الوقوع في وثوقية النزعة الواقعية التي كان موقفُها الضيّق أسيرَ الإيمان الدوغمائي بقدرة المنطق على قول “الحقيقة” دونما الانتباه إلى وجود حدود ينبغي احترامها.
حكمة “التزام الصمت” ضرورية إذن في تلك الحالات التي يستحيل فيها إدراك المعنى الحقيقي، يعني في حالة قضايا الفلسفة والأخلاق والدين؛ لذا، فالتزام حدود اللغة مسألة ضرورية في فلسفة فتغنشتاين الأولى (مرحلة كتاب “رسالة منطقية فلسفية”). إنّ هذه أعقد ممّا كانت تتصوّره وثوقية النزعة الواقعية المنطقية الساذجة التي تؤمن بتطابق حقائق العالم مع ممكنات اللغة، دون أن تنتبه إلى وجود الكثير ممّا يستوجب احترام حدود لغتنا التي تسمح بالكثير من اللبس والغموض.
لذلك، أفضى الفهم المستحدث في المرحلة الثانية لفلسفته، أي مرحة أبحاث فلسفية، إلى التخلّي عن نموذج اللغة الصورية الشارحة، لفائدة المعنى الواسع للغة بما هي “صور للحياة”؛ لذلك، استدعى أمرُ فهم اللغة في المنظور الثاني لفتغنشتاين التمكّنَ من قواعد اللعب، كما أصبح التمكّنُ من ألعاب اللغة هو نفسه التمكن من صور الحياة. وتتم هذه المسألة كلُّها بالتوسل بالمعنى العملي للغة، بما أنّ الفعل واللغة كليهما ينتميان إلى نموذج الألعاب اللغوية القاضية بأنّ الإنسان لا يفهم العبارات والأقوال اللغوية معزولة عن بعضها بعضًا، وإنّما من خلال سياق مجرى الكلام.
قائمة المراجع والمصادر
- باللغة العربية:
- يوسف السيساوي «الإحالة وإشكالاتها المنطقية»، منشورات مختبر الفلسفة والتراث في مجتمع المعرفة، سلسلة 1، تنسيق ثريا بركان، ط الأولى، مطبعة الوراقة الوطنية، مراكش، 2012.
- فتغنشتاين لودفيغ: محاضرة عن علم الأخلاق، ترجمة: علي رضا، نشر مؤسسة مؤمنون بلا حدود، قسم الدراسات الدينية، 13 مايو، 2017
- مصطفى الحداد: اللغة والفكر وفلسفة الذهن؛ ط الأولى، نشر: دار ورد الأردنية للنشر والتوزيع، 2013.
- باللغات الأجنبية:
- Bouveresse (J): Le pays des possibles: Wittgenstein, les mathématiques et le monde réel; éd minuit, Paris, 1988.
- Bouveresse (J): La force de la règle: Wittgenstein et l’invention de la nécessité; éd minuit, Paris, 1987.
- Brentano, (F) : De la diversité des acceptions de l’être d’après Aristote; tr de l’allemand par Pascal David, éd Vrin, Paris, 1992.
- Chauvineau, (J) : La logique moderne, édition Puf, Paris, 1957.
- Cometti (J, P): Philosopher avec Wittgenstein; éd puf, Paris.
- Hottois (G) : La philosophie du langage de Ludwig Wittgenstein, Bruxelles, Editions de l’Université de Bruxelles, 1976.
- Russell, (B) : Signification et vérité, tr Philippe Devaux, éd Flammarion, coll Champs essais, Paris, 2013.
- Schaff, (A): Langage et connaissance; tr du polonais par Claire Brendel, éd Anthropos, 1969.
- Urmson (J.O), “L’histoire de l’analyse”, in collectif, 1960.
- Wittgenstein (L): Recherches philosophiques; tr Françoise Dastur, Maurice Élie, Jean-Luc Gautero, Dominique Janicaud, Élisabeth Rigal éd tel Gallimard, paris, 2004.
- Wittgenstien (L): Tractatus logico-philosophicus; tr Gil Gaston Granger, éd Gallimard, Paris, 19
- Wittgenstein (L): Tractatus Logico-Philosophicus, suivi d’Investigations philosophiques, trad. Fr, p. Klossowski, Gallimard, Paris, 1961.
- Wittgenstien (L): Carnets 1914 – 1916; tr Gil Gaston Granger, éd Gallimard, Paris, 1971.
* Ludwig Wittgenstein.
[1] – Bouveresse (J): Le pays des possibles: Wittgenstein, les mathématiques et le monde réel; éd minuit, Paris, 1988, p.23.
[2] يعود السبب في هذا إلى موقفه من المنطق الخالص؛ حيث يعد القضية المنطقية تبعًا له عبارةَ عن رسم للواقعة؛ بحيث يكون إما صادقًا أو كاذبًا؛ وما يوجد بين هذا الرسم والواقعة ليس سوى نوعٍ مشتركٍ من البنية، وإنّ هذه البنية المشتركة هي التي تجعل القضايا قادرةً على أن تكون رسومًا للوقائع؛ غير أنّها (أي هذه البنية) لا يمكن التعبير عنها هي نفسها، طالما كانت هي بنية للألفاظ بقدر ما هي بنية للوقائع التي تشير إليها هذه الألفاظ. انظر بهذا الخصوص:
– Wittgenstien (L): Carnets 1914 – 1916; tr G. G. Granger, éd Gallimard, Paris, 1971, pp. 98 – 100.
[3] – Hottois (G) : La philosophie du langage de Ludwig Wittgenstein, Bruxelles, Editions de l’Université de Bruxelles, 1976, p.123.
[4] – Bouveresse (J): La force de la règle: Wittgenstein et l’invention de la nécessité; éd minuit, Paris, 1987, p.150-151.
[5] – Wittgenstien (L): Carnets 1914 – 1916; op. cit., p.102.
[6] -يوسف السيساوي «الإحالة وإشكالاتها المنطقية»، منشورات مختبر الفلسفة والتراث في مجتمع المعرفة، سلسلة 1، تنسيق ثريا بركان، ط الأولى، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، 2012، ص 47.
[7]– Wittgenstien (L): Tractatus logico-philosophicus; traduction de l’allemand par Gil Gaston Granger, éd tel Gallimard, Paris, frag 5 et 6.
[8] Ibid, p.105.
[9] – Ibid, p.112.
[10] – Ibidem.
[11] فتغنشتاين: محاضرة عن علم الأخلاق، ترجمة: علي رضا، نشر مؤسسة مؤمنون بلا حدود، قسم الدراسات الدينية، 13 مايو، 2017، ص 9.
[12] يمكن القول إنّ الحالات التي تحدّث عنها فتغنشتاين في الرسالة باعتبارها غيرَ ذات معنى ترجع في معظمها إلى أنّ انقطاع العلاقة التمثيلية بين اللغة والعالم، وما ينتج عنه من انعدام المعنى، يعود إلى استخدام اللغة في قول ما لا يقال، وهذا ما يفسّر حضور البعد الصوفي في كلام فتغنشتاين عن اللغة والعالم. انظر بهذا الخصوص:
- Wittgenstein (L): Tractatus logico-philosophicus; cit., (6, 53), p.112
[13] Chauviré (C): Vocabulaire de Wittgenstein; édition Puf, Paris, 1957, p.84.
[14] Wittgenstein (L) : Tractatus logico-philosophicus; op. cit., (§5, 60), p.93
[15] Wittgenstein (L): Recherches philosophiques; op. cit., §123
[16] يستعيد فتغنشتاين أهميةَ الحـس المشــترك، وسوف يعمل على احـترام اللغة العـادية من خلال سياقات استعمالها؛ لكـنه، بالمقابل ينتـقد مفهـوم التحليل بالطريقة التي دأب بعض الفلاسفة على استخدامه بهذا الخصوص. إنّه لا يجوز للفلسفة أن تتدخل بأي شكل من الأشكال في الاستعمال الفعلـي للغـة؛ ما نفعـله في الفلسـفة هـو إرجاع الكلمات من استعمالها الميتافيزيقي إلى استخدامها اليومي، أي أن الفلاسفة حين يستعـملون كلمةً ما (المعرفة، الموضوع، القضية، الاسم) وهم يحاولون الإمساك بجوهر الشيء، فإن علينا دائمًا أن نسأل: هل تستعمل الكلـمة، فعليًّا، بهذا الشكل في اللغة التي هي موطنها الأصلي؟ لذا؛ يلزمنا في مثل هذه الأحوال أن نتمسّك بموضوعات تفكيرنا اليومي، وأن لا نذهب بعيدًا فنتصور أنّه علينا أن نصف أشياءَ غايةً في الكمون؛ بل علينا أن ننظر إلى طريقة عمل لغتنا اليومي. انظر بهذا الخصوص:
– Wittgenstein (L): Recherches philosophiques; tra de l’allemand par Françoise Dastur, Maurice Élie, Jean-Luc Gautero, Dominique Janicaud, Élisabeth Rigal éd tel Gallimard, paris, 2004, p.48.
[17] – Ibid, p.39-43.
[18] – Wittgenstein (L) : Tractatus Logico-Philosophicus, suivi d’Investigations philosophiques, trad. Fr, p. Klossowski, Gallimard, Paris, 1961, p.111-364.§98.
[19]– Ibid, §57.
[20] -Ibid, p.135.
[21] – Urmson (J.O), “L’histoire de l’analyse”, in collectif, 1960, p.17.
[22] – Bouveresse (J): La force de la règle: Wittgenstein et l’invention de la nécessité; op. cit, p.41.
[23] – Hottois (G) : La philosophie du langage de Ludwig Wittgenstein, op., cit, p.23.
[24] -مصطفى الحداد: اللغة والفكر وفلسفة الذهن؛ ط الأولى، نشر: دار ورد الأردنية للنشر والتوزيع، 2013، ص 78.
[25] – Cometti (J, P): Philosopher avec Wittgenstein; éd puf, Paris, p.26.
[26] – يعد فتغنشتاين أنّ ما نسمّيه اتّباع القاعدة: “لا يمكن أن يكون المرء قد اتبع قاعدة مرّة واحدة فقط، لا يمكن أن يكون الأمر قد صدر وفُهم مرة واحدة، أو المحادثة أجريت مرّة واحدة. إنّ اتّباع القاعدة أو إجراء المحادثة أو إصدار الأمر أو لعب جولة للشطرنج تعد عادات (استعمالات، مؤسّسات)”. انظر: الفقرة 199 من الأبحاث الفلسفية.
[27] – المقصود بصور الحياة هو الإطار المرجعي الذي يتعلّم فيه الإنسان السلوك لمّا يتدرّب على لغة جماعته اللسانية؛ وبالتالي، فتعلّم اللغة هو تعلّم لطريقةٍ في النظر إلى الأشياء. انظر: مصطفى الحداد: اللغة والفكر وفلسفة الذهن، مرجع سابق، ص 76.
[28] Wittgenstein (L) : Tractatus logico-philosophicus; op. cit., (§5, 61), p.93