لتحميل المقالة:موسيقى العالَم
الموسيقى كميتافيزيقا
لم يلمع اسم الفيلسوف الألماني آرتور شوبنهور (ت1860)، بدرجة تناهِز بريقَ خصيمه، وقسيمه، الفلسفي المعاصر له جيورج فلهلم فردرش هيجل (ت1831)، من حيث مدى انتشار النسق الفلسفي العام، وتأثيره، وتكوين مدرسة خاصة به. لقد انتشر تلاميذ هيجل، يمينًا، ويسارًا، ووسطًا، على مساحة كل الخريطة الأوروبية، والأمريكية، والروسية، تقريبًا، وحقق نفوذًا فلسفيًا قلما أتيح لفيلسوف في التاريخ. أما شوبنهور فقد حظيَ بتلميذ أساسي متميز، ذي أثر كبير على فلسفة ما بعد الحداثة خصوصًا، هو فردرش نيتشه (ت1900)، بالإضافة إلى عدد من الأسماء، التي «تأثرتْ به»، والتي لا يمكن اعتبارها تلاميذَ له بالمعنى الدقيق، كفلهلم دلتاي (ت1911)، وهنري برجسون (ت1941). والسبب في هذا الإخفاق النسبي –إن جاز التعبير- لشوبنهور هو أن مذهبه ظلّ ميتافيزيقيًا في الجوهر، يقوم على تمثّلات Vorstellungen لإرادة الحياة Wille؛ بمعنى أن كل ما نعرفه، ونختبره في حياتنا ما هو إلا مظاهر لقوة طاغية عمياء، تحرك هذا الوجود، هي تلك الإرادة. وقد أدت هذه الفرضية إلى انعزال مذهبه عن التاريخ العيني، وعدم قدرتها على تفسيره، سواءً أَعتمدَ هذا التفسير على الوعي من منطلق مثالي، أم المادة من منطلق واقعي. وبالتالي خسر شوبنهور «فرصة التغيير بالتفسير»، إذا أردنا صكّ النتيجة في معادلة واضحة، مما قلل من الأهمية التطبيقية لمذهبه.
في المقابل قدّم هيجل نسقًا متكاملاً، ومنهجًا في البحث مرنًا، سمح له بصناعة نسيج واحد، يضم شتى مظاهر النشاط البشري، والحضارة، ويقدم فلسفةً في التاريخ، تقوم على تجليات الوعي Geist في الفن، والدين، والفلسفة، ويسمح بالتنبؤ، وبالتالي التحكُّم. وقد شيّد ماركس مذهبه على أية حال على هذا المنوال بعد تفريغه من مضمونه المثالي، وارتكازه على أُسس مادية، ونال المميزات التطبيقية نفسها. يوصف القرن التاسع عشر في أوروبا عادة بعصر العلم؛ ارتكانًا إلى الكشوفات العلمية المذهلة، التي حققها العلماء في شتى المجالات في ذلك القرن، ولكنه من المنظور الفلسفي هو قرن فلسفة التاريخ. إن التتبع الاستقرائي لمدى انتشار المذاهب الفلسفية فيه، وكيفية ذلك الانتشار، يكشف عن تناسب طردي بين قوة تأثير المذهب الفلسفي من جهة، وقوة حضور فلسفة للتاريخ فيه من جهة أخرى، تسمح بوضع تنبؤات محدَّدة. وهو ما يتناسب بدوره مع «علمية» ذلك القرن؛ فإن من شأن أي نظرية، تزعم لنفسها صفة العلم، أن تؤدي إلى استنباط تنبؤات، يمكن اختبارها. وعلى مستوى الفلسفة يُقدم الفيلسوفُ تنبؤاتٍ بصدد مستقبَل تاريخ البشرية في فلسفة التاريخ؛ فالتاريخ مختبَر الفلسفة، كما أن الطبيعة مختبَر العلم. ما يعني أن نقطة الضعف الأساسية في نسق شوبنهور العام، التي أدت إلى هذا الإخفاق النسبي الموصوف، هي ضعف حضور فلسفة للتاريخ فيه، تسمح بوضع تنبؤات من هذا النوع، ما جعلها أقل «علمية» في مقابل فلسفة هيجل، ثم فلسفة ماركس.
بيدَ أن هناك ميزة أساسية تمتع بها نسق شوبنهور، وربما تفوق بها على نحو مُطلَق بين المثاليين الألمان، وفلاسفة عصره عمومًا، هي نظريته في الموسيقى. ليس لأنها كانت نظرية متماسكة منطقيًا، أو مبتكَرة؛ ولكن بسبب موضعها نفسه في نسقه العام. فبينما كانت لكل من كانط، وهيجل، مثلاً نظرية في فلسفة الموسيقى في سياق علم الجمال، وفلسفة الفن، ما يمكن وصفه على الدقة بالفلسفة الجمالية للموسيقى، وبفلسفة فن الموسيقى، فإن نظرية شوبنهور لا يمكن بدقة وضعها في هذا السياق؛ فهي لم تكن مجرد نظرية في الجمال، أو الفن، بل كانت نظرية في «الموسيقى بما هي ميتافيزيقا» Musik als Metaphysik.[1] وهي خصيصة متفردة في حدّ ذاتها؛ فلم يسبق لأي من فلاسفة الموسيقى منذ فيثاغورس أنْ أَرْكَزَ أحدُهم الموسيقى كمنظور تفسيري للعالَم بكل ظواهره. وهذا من ضمن أسباب أن بعض فلاسفة الموسيقى، ومؤرخيها، المعاصرين يعتبرون شوبنهور«عصر نهضة فلسفة الموسيقى»، كسوزان لانجر، وبيتر كيفي، وريكاردو مارتينيللي، ومارك إيفان بوندز.[2] قد يمكن بالفعل النظر إلى مرحلة شوبنهور في سياق فلسفة الموسيقى باعتبارها نقطة تحول جوهرية، ولكن أطروحة هذا المقال تذهب إلى فرضية أبعد من ذلك، وتحاول البرهنة عليها، وهي التطابق كوجهي العملة بين فلسفة شوبنهور في الموسيقى من جهة، ونسقه العام من جهة أخرى، بما يجعل الموسيقى في اعتباره منظورًا تفسيريًا للعالَم ككل.
شوبنهور مؤسِّسًا
كي نفهم مدى الدور، الذي لعبه شوبنهور في تأسيس فلسفة الموسيقى، لا بد من الوقوف على تحديد مفاهيم معينة في هذا المجال، وهي: فلسفة الموسيقى، وفلسفة فن الموسيقى، والفلسفة الجمالية للموسيقى، و أنطولوجيا الموسيقى. أولاً تختلف فلسفة الموسيقى Philosophy of Music من حيث المصطلح، ومجال البحث، عن كل من فلسفة فن الموسيقى Philosophy of Art of Music، والفلسفة الجمالية للموسيقى (أو فلسفة جماليات الموسيقى) Philosophy of musical Aesthetics. تعنَى فلسفة فن الموسيقى بالموسيقى بما هي فن أولاً، وأخيرًا، أي بما هي صنعة إنسانية قصدية، بينما تختص الفلسفة الجمالية للموسيقى بفهم أثر الموسيقى الجمالي على العقل، والنفس. أما فلسفة الموسيقى فلا تعتبر بالوجه الإنساني، القصدي، في ظاهرة الموسيقى بالضرورة. ومن هذا المنطلق تحدث فيثاغورس مثلاً عن «موسيقى الأفلاك» في عبارته الشهيرة «السماء عددٌ ونَغَمٌ. وكما لا تقتصر فلسفة الموسيقى على الصفة «الفنية» للموسيقى، فهي لا تحصر نفسها كذلك في بحث أثر الموسيقى العقلي، والنفسي. باختصار تعنَى فلسفة الموسيقى بالموسيقى كظاهرة عامة من الزاوية الأنطولوجية بالدرجة الأولى. حين نقول إننا نجِد في حركة أمواج البحر «تناغُمًا»، فنحن نتحدث عن الموسيقى كظاهرة عامة، غير إنسانية، غير قصدية، وغير فنية، وغير قاصرة على الصوت. وحين نقول إننا لا نجد في دقات الساعة موسيقى، برغم كونها موقَّعَةً من جهة، وظاهرةً صوتيةً من جهة أخرى، فنحن كذلك نفتح الباب للسؤال الأساسي في فلسفة الموسيقى: ما الموسيقى؟
هذا السؤال الأخير هو مبدأ مبحث «أنطولوجيا الموسيقى»، أو «علم وجود الموسيقى»، أهم مباحث فلسفة الموسيقى. وتختلف «أنطولوجيا الموسيقَى» عن كل مِن «فلسفة الموسيقَى»، و«الفلسفة الجمالية للموسيقى»، في اعتبارها أخصّ من الأولَى، ومُبايِنةً من جهة زاوية البحث للثانية. تعنَى فلسفةُ الموسيقى بالتناول الفلسفي العامّ لظاهرة الموسيقى، وبالذات من جانبي نظرية الوجود، ونظرية المعرفة، بينما تختص الفلسفة الجمالية للموسيقى بدراسة الظاهرة الموسيقية من جهة نظرية القيمة.[3] وطبقًا لذلك فإن أنطولوجيا الموسيقى فرعٌ من فلسفة الموسيقى، يدرس الموسيقى كموضوع (object) مركَّب، ويحلل الجهات الأنطولوجية لعناصره، وكيفية وجودها، وخصائصه، ومستوياته الأنطولوجية، والعلاقات الأنطولوجية بين تلك العناصر من جهة أُولَى، وبين موضوعات العالَم الأخرى من جهة ثانية، وسوى ذلك من أبواب الأنطولوجيا.[4] بالتالي فإن أنطولوجيا الموسيقى هي «ميتافيزيقا الموسيقى» بالمعنى الأعمق، وهي تتصل بطبيعة الحال بكافة فروع فلسفة الموسيقى، وتستقل عنها.
وبناءً على التحديد السابق فمن الممكن، لو أردنا تقديم رؤية عامة تلخيصية قدر الاستطاعة، أن نتجاوز في عرضنا لفلسفة الموسيقى بالمعنى الدقيق، وخاصة بما يفرقها عن فلسفة فن الموسيقى، فلسفةَ أفلاطون، وأرسطو، وأفلوطين، وأوغسطين، والفلاسفة العرب، وديكارت، وماركس، وحتى هيدجر، الذي لم يوقِف مؤلفًا أو محاضرةً مخصصة لفلسفة الموسيقى، ولكنّ شوبنهور سيكون ضمن الأسماء، التي لا يمكن تجاوزها بأي حال، ومهما اختلفت وجهة نظرنا في طبيعة الموسيقى. وحتى حين لا نستطيع تجاوز البعض منهم؛ كأفلاطون، أو أرسطو، أو ديكارت، أو كانط، أو هيجل، فسيكون ذلك بسبب أهمية أنساقهم الفلسفية في التاريخ بشكل عام، لا بسبب أهمية فلسفاتهم في الموسيقى بوجه خاص. على العكس هي حال شوبنهور؛ فقد نختلف مع نسقه الفلسفي جذريًا، وقد لا نجد له أهمية في تاريخ الفلسفة اللاحق تناهز أهمية كانط، أو هيجل، أو هيدجر، ولكننا لا بد من أن نفهمه، بسبب أهمية فلسفته في الموسيقى، وأثرها، على نحو التخصيص.
وبالرغم من سبق فيثاغورس، ومنافسه الأساسي الأرسطي أرسطوكسينوس (ولد عام 335 ق. م) لشوبنهور بأكثر من ألفي عام لهذا الفرع من الفلسفة، فسوف نجد شوبنهور أقرب إلى أنطولوجيا الموسيقى على نحو أدقّ. لقد نظر فيثاغورس إلى الموسيقى باعتبارها نظامًا هندسيًا بالأساس، يمكن من خلاله تفسير بُنية الطبيعة، وعقد علاقة معينة بواسطته بين الطبيعة، وما بعدها.[5] ونظر إليها أرسطوكسينوس بما هي ديناميكا متفردة؛ بما هي نوع مميَّز من أنواع الحركة، لا تصفه طبيعيات أرسطو بدقة، يجمع بين حركة النقلة، وحركة الكيف.[6] أما شوبنهور فلم ينظر إلى الموسيقى بشكل أساسي من زاوية النظام order، أو الديناميكا dynamics، بل من زاوية كونها هي نفسها كائنًا ذا طبيعة خاصة متفردة، تفرقه عن كل الكائنات. في سياق فيثاغورس تشترك الموسيقى مع الرياضيات في خاصية النظام الهندسي، والفرق أن الموسيقى رياضيات متحركة، وأن الرياضيات موسيقى ثابتة. وفي سياق أرسطوكسينوس، تعتبَر الموسيقى نمطًا مميَّزًا من أنماط الحركة، وهي نظرية لا تعتبر سوى بنمط الحركة، الذي تقدمه الموسيقى. أما في سياق شوبنهور فإن الموسيقى لا تشبه أي موجود في العالم، بل تعبِّر مباشرةً عن جوهر هذا العالم بما هي وسيلة اتصالنا الوحيدة المباشرة بهذا الجوهر.
وكذلك بالرغم من سبق أفلاطون، وأرسطو، لشوبنهور في فرضية «محاكاة الموسيقى لحركة الإرادة»، بأكثر من ألفي عام، فإن نطاق المفهوم «الإرادة» نفسه مختلف، والمفهوم نفسه مختلف. بالرغم من قيام أفلاطون باستبعاد مقامات معينة، واستبقاء أخرى، وهو ما يتعلق باللحن، فإن اهتمامه الأساسي بالموسيقى كمنهج تعليمي كان مؤسَّسًا على الإيقاع، لا اللحن.[7] الإيقاع عند أفلاطون هو الذي يمكنه أن يؤثر على النفس على المستوى اللاواعي؛ لأنه يشبه حركة الإرادة في النفس. وهي فكرة وافقه فيه أرسطو ربما بوضوح أكبر في «المشكلات»Problemata ، و«النفس» De Anima.[8] إذن اتفق أفلاطون، وأرسطو، في أن الإيقاع يحاكي حركة الإرادة. ولكن الفرق بينهما من جهة، وبين شوبنهور من جهة أخرى، أن الأخير اعتقد أن الموسيقى تحاكي حركة الإرادة العامة الكونية، لا الفردية، على المستوى الميتافيزيقي، لا السيكولوجي، وأن العنصر الموسيقيّ، الذي تظهر فيه هذه المحاكاة بالدرجة الأوضح، هو اللحن، لا الإيقاع. ولهذا فإن فلسفة شوبنهور في الموسيقى، كما قلنا آنفًا، هي «ميتافيزيقا الموسيقى»، بينما يمكن تصنيف كل من أفلاطون، وأرسطو تحت عنوان: «سيكولوجيا الموسيقى» Musical Psychology من هذه الزاوية.
وقد ساهمَ كذلك الناقد النمساوي المعروف إدوارد هانسلك E. Hanslick (ت1904)، مؤسس الشكلانية الكلاسيكية، في وضع موسيقى الآلات الخالصة، أي غير الغناء، وسوى الموسيقى التصويرية المسرحية، على خارطة البحث الفلسفي، كما ساهم فيه كذلك شوبنهور. ولكن شوبنهور قد سبقه بعقود إلى هذا الإنجاز تاريخيًا؛ فقد أصدر هانسلك كتابه الأساسي «عن الجميلِ الموسيقيِّ، مساهَمة في مراجعة جماليات فن النغَم» Vom Musikalisch-Schönen. Ein Beitrag zur Revision der Ästhetik der Tonkunst عام 1854، بينما أصدر شوبنهور مصنفه الأساسي «العالم إرادةً وتمثلاً» عام 1818.[9]
وهناك –برغم الخلاف- نقطة تقاطع بين شوبنهور وشكلانية هانسلك. وهي كما هي نقطة التقاء فقد كانت نقطة افتراق أيضًا؛ فالشكلانية الكلاسيكية (في القرن التاسع عشر)، كانت تقوم على مبدأ أنّ الموسيقى ليس لها مضمون في حد ذاتها على الإطلاق، وأنّ ما نتخيله معها، أو ما نشعر به، كما يرى هانسلك، كل هذا من خواص الشكل، الذي إما يشبِه في حركته حركةً معينة، أو يرمز لها. وهو ما عبّر عنه هانسلك باختصار بآليتَي مشابهة نمط الحركة Analogie، والرمزية Symbolik.[10] وبطبيعة الحال يقف شوبنهور على الجانب المضاد من هذا المبدأ، فهو يرى أن الموسيقى عمومًا تحمل مضمونًا معينًا، هو إرادة الحياة العمياء، كما سنرى، ولكنّ كلاً من هانسلك، وشوبنهور يتفقان في نقطة أساسية: هي أن العمل الموسيقيّ الخالص لا يحمل مضمونًا ذهنيًا، أو شعوريًا معينًا، كما تحمل لنا القصيدة مضمونها مثلاً. فإذا تحدثنا عن العمل الموسيقيّ المفرد، فإن كلاً من هانسلك، وشوبنهور يتفقان في كونه، إذا كان موسيقى خالصة Pure Music، لا يحمل مضمونًا أدبيًا، يمكن نقله باللغة، ولكنْ إذا تحدثنا عن الموسيقى عمومًا فالأمر يختلف جذريًا. بينما يقصر هانسلك حديثه على الموسيقى كفنّ، فإن شوبنهور يتحدث عنها باعتبارها «كيانًا» ذا ماهية خاصة. ولهذا يبدو المجال، الذي فيه تحرك هانسلك، محدودًا للغاية مقارنةً بالمدى، الذي إليه وصل شوبنهور.
النظرية والنسق
كما يشير فيلسوف الجماليات الإنجليزي المعاصر روجر سكروتن (ت2020)، فإنه من الصعب فهم تصورات المثالية الألمانية بشكل عام بمعزل عن أنساقها النظرية، التي أَنتجتْها.[11] وهذا في رأي الكاتب صحيح إلى حد كبير، وربما لا يحتاج إلى توضيح؛ فإن الأنساق المثالية بصفة عامة لا تحيلنا إلى نتائج العلوم الطبيعية، أو الاجتماعية، كي تؤسِّس مبادِئَها، وإلا ما صارت «مثالية». وبالتالي فإن أصولها قائمة في مبادئ النسق الفلسفي ذاته. لا يمكن فهم فلسفة ماركس مثلاً، وتقييمها، إلا بالإحالة إلى علمي الاقتصاد، والاجتماع، ولكننا لا نُضطر لأنْ نقوم بهذه الإحالة حين نحاول فهم مبادئ نسق كانط، أو هيجل، أو شوبنهور. خصوصية نسق شوبنهور في سياقنا الحالي ليست من هذه الزاوية العامة –وسكروتن يتحدث في السياق نفسه من أنطولوجيا الموسيقى- بل تكمن في قدر لافت للنظر من التوازي، أو التطابق، بين نظرية شوبنهور في الموسيقى من جهة، وبين نسقه العام من جهة أخرى.
ولا بد من الإشارة إلى أن العلاقة بين نظرية شوبنهور في فلسفة الموسيقى من جهة، ونسقه العام من جهة أخرى إشكالية في حد ذاتها. لا يعتقد الكاتب أن بالإمكان الفصل بينهما، وهو رأي يوافق غالبية الباحثين في المجال على أية حال. ولكن ماهية تلك العلاقة هي السؤال: فهل صعد شوبنهور من الموسيقى إلى نسقه العام، أم هبط من نسقه العام إلى الموسيقى؟ وهو سؤال معقول؛ لأن فلسفة شوبنهور في الموسيقى أصيلة، ومسهبة، ومفصلة إلى حد لافت من ناحية، ومن ناحية أخرى فقد نظر شوبنهور إلى الموسيقى بما هي التمثيل الأدق لحقيقة الوجود ذاته.[12] وهو ما يدعو إلى الاعتقاد في أنه ربما خرج بنسقه العام من خلال فلسفته للموسيقى، لا العكس. يرى سكروتن مثلاً أن تميز شوبنهور في سياق فلسفة الموسيقى المثالية الألمانية ينبع من كونه الوحيد بين المثاليين الألمان، الذي اعتبرَ الموسيقى «مادةً لاختبار» نسقه كشكل متفرد من أشكال المعرفة.[13]
وهو ما يميل إلى الاعتقاد الشائع في أن شوبنهور قد قدّم فلسفته للموسيقى كتطبيق لما تم تنظيره مسبقًا. ولكننا نَلحظ قدرًا من عدم الدقة في هذا الرأي الأخير: فهل الموسيقى عند شوبنهور شكل من أشكال المعرفة، حتى لو كان متميزًا على نحو التفرُّد؟ لا يعتقد الكاتب في هذا التوصيف بدقة؛ فكما سبق بيانه، وكما سيلي كذلك، لم ينظر شوبنهور إلى الموسيقى كمنظور معرفي بالدرجة الأولى، بل كمستوى أنطولوجي خاص. هذا بينما يقدم بعض الباحثين الأكثر عمقًا في فلسفة شوبنهور رؤية مختلفة: أن فلسفة الموسيقى عند شوبنهور جزء لا يتجزأ من نسقه العام، ولا يقوم ذلك النسق بدونه. وهو ما عبر عنه آزموت أعلاه بالموسيقا كميتافيزيقا Musik als Metaphysik.[14] في هذه الحالة لا يمكن القول بأن فلسفة الموسيقى عند شوبنهور كانت مجرد تطبيق. كذلك يرى بوندز Bonds أن العالَم عند شوبنهور موسيقى متجسدة، وإرادة متجسدة، كوجهين لعملة واحدة.[15] وهذا ما يمكن التعبير عنه بأن شوبنهور قد وضع الموسيقى في نسقه كمقابل للعالَم ككل على المستوى البنيوي. وهو ما يمارس دحضًا لرأي سكروتن سابق الذكر.
وإذا كان سكروتن يرى أن ماهية الموسيقى عند شوبنهور على نحو أساسي هي شكل متميز من أشكال المعرفة، فإن سوزان لانجر ترى جانبًا من هذا الرأي، لكنها تختلف معه عمومًا. ترى سوزان لانجر أن شوبنهور هو أول من قدمَ الموسيقى بما هي لغة دالّة، بمعنى الوسيط غير الشخصي impersonal الدالّ على معنى.[16] وبالفعل فللموسيقى معنًى عند شوبنهور، وقد أشرنا إلى أن هذه كانت نقطة افتراقه الأساسية عن الشكلانية الكلاسيكية، لكن هذا لا يعني ماهيتها ككل، بل هي خطوة -بحسب لانجر- تُحتَسَب لشوبنهور على خارطة فلسفة الموسيقى عمومًا، وجانب من فلسفته. ولكل ما سبق يميل الكاتب إلى الاعتقاد أن فلسفة الموسيقى عند شوبنهور كانت -على الأقل- الوجه الآخَر لنسقه الفلسفي العام، ولم تكن مجرد «جزءٍ» منه، ولا تطبيقًا له، إنْ لم تكن أساسًا من أسس مذهبه نفسه. ومع ذلك تُشكل هذه العلاقة العضوية بين فلسفة الموسيقى، والنسق العام عند شوبنهور عقبةً معينة في فهم ماهية الموسيقى، سترد في الختام.
ومما يدعم هذا الرأي قول شوبنهور: «محصلة أو نتيجة مناقشتي للدلالة الخاصة لهذا الفن المُدهِش -التي قدمناها في فقرة المجلد الأول المُشار إليها أسفل الصفحة، والتي ستكون ماثلة هنا أمام عقل القارئ- هي أنه ليس هناك بالفعل أي تشابه بين إنتاجات الموسيقى وبين العالم باعتباره تمثُّلًا، أي عالم الطبيعة؛ وإن كان يجب أن يكون هناك توازٍ واضح بينهما، وهو ما برهنت عليه أيضًا آنذاك».[17] إذن يحدد شوبنهور بنفسه علاقة «توازٍ» بين الموسيقى من جهة، وبين الطبيعة من جهة أخرى. وهو ما يعني قولَنا كذلك: الموسيقى بما هي «بَعْد طبيعة»، أو ميتافيزيقا.
جوهر «الموسيقى كميتافيزيقا»
يفتتح شوبنهور الكتاب الأول من مؤلفه الأساسي «العالم إرادة وتمثلاً»، بعبارته الشهيرة: «العالم هو تمثُّلي. هذه هي الحقيقة، التي تنسحب على كل موجود يحيا، ويعرف».[18] إن شوبنهور ينطلق أساسًا من محاولة حل سؤال الشيء-في-ذاته الكانطي في «نقد العقل المحض». ويجد أن التمثُّل هو كل ما هو متاح كحقيقة للعالم. يعلن شوبنهور بنفسه أن فلسفته امتداد لهذه الإشكالية الكانطية، ومحاولة إعادة تأسيسها في أبعاد الزمان، والمكان (القبليين عند كانط)، وذلك في رسالته للدكتوراة «عن الجذر الرباعي لمبدأ العلة الكافية»-1813 Über die vierfache Wurzel des Satzes vom zureichenden Grunde.[19] وفي الواقع فمن عدم الدقة –من وجهة نظر الكاتب- النظر إلى شوبنهور كمجرد امتداد لكانط، بل هو إعادة نظر في الأسس الفلسفية الممتدة منذ أفلاطون، وهو ما يصرح به شوبنهور بنفسه، في بداية كتابه الأخير المذكور أعلاه؛ حين يبدأ بنقد مبدئَي «التجانُس والتصنيف» Homogeneität und Specifikation،[20] أي ملاحظة الفروق الأنطولوجية، التي تسمح لنا بتصنيف الفئات المتجانسة في فئة أعلى، وهكذا، والممتدين في تاريخ الفلسفة منذ أفلاطون، وحتى كانط، حتى وإنْ كان كانط في نظر شوبنهور نقلة نوعية في هذا السياق؛ حين اعتبر هذين المبدأين قبليينِ.[21] ونظرًا لاعتقاد أفلاطون في هذين المبدأين كمبدائين أساسيين للفكر الإنساني، فقد توصل إلى «المثال» كنهاية قصوى لعمليات التصنيف.[22]
ولكن ما العلاقة بين شوبنهور وأفلاطون في هذه المسألة؟ ربما يكون هذا السؤال هو نقطة البداية الحقيقية لفهم فلسفة شوبنهور في الموسيقى. فهل الإرادة «مثال» Idee أفلاطوني؟ وهل تتمثل تلك الإرادة في الموسيقى كمثال أفلاطوني بالتالي؟ لقد وجد أدولف برنارد ماركس المثالَ الأفلاطوني، وهو يتجسد للمرة الأولى في التاريخ، في سيمفونية بيتهوفن الثالثة.[23] فهل يجد فيها شوبنهور المعنى نفسه؟ هذا هو الفرق بين شوبنهور وسواه من سابقيه، الذين وردوا في هذه المقالة: إن كلاً منهم قد بحث عن معنى للعمل الموسيقي في حال الانفراد، سواءً أَوَجدَه أم لم يجده، أما شوبنهور فوجد معنى للموسيقى عمومًا. ويبقى هانسلك حالة خاصة في هذه المقارنة، بالأحرى يبقى كوجه سلبي لشوبنهور؛ فبينما «لم يجد» هانسلك أي معنى كامن في ديناميكا الشكل، فإن شوبنهور وجد معنًى خطيرًا في ديناميكا اللحن (الميلودي).
ما العلاقة بين شوبنهور، وهانسلك في مسألة الطبيعة الديناميكية للموسيقى؟ إن الطبيعة الديناميكية للموسيقى جوهرية عمومًا لدى كل منهما، ولكن على نحوين مختلفين جوهريًا كذلك. لقد اعتبرَ هانسلك بالطبيعة الديناميكية في الشكل form، ووجد أننا –كما ذكرنا- نخلع عليها المعنى من أنفسنا بوسيلتين: المشابهة Analogie، والترميز Symbolik[24]. أما شوبنهور فقد اعتبر بالطبيعة الديناميكية للحن، ووجد أنها تحمل في ذاتها نمط حركة الإرادة بين الرغبة والإشباع.[25] وهنا تظهر أصالة شوبنهور على الوجه الأوضح، خاصة حين نقارنه بأفلاطون، وأرسطو في هذه المسألة: نمط حركة الإرادة. ما الإرادة إذن عند شوبنهور؟ وكيف يعتبرها هذا الأخير مبدأ الحركة في العالَم؟
الإرادة هي الماهية الداخلية للعالم inneres Wesen der Welt، هي نفسها الشيء-في-ذاته، والتي تتجلى في الجسد Leib، وفي الأعضاء التناسلية تحديدًا، بما هي إرادة حياة: «كل فعل حقيقي، وأصيل، ومباشر للإرادة هو كذلك فعل للجسد، يظهر بشكل فوري، ومباشر».[26] وكل الظواهر Erscheinungen، التي نراها، ونعيها، ونقوم بها، هي مجرد تحققات موضوعية Objektivationen لتلك الإرادة. يقول في القسم الثاني «العالم إرادةً»: «سأقول عن الجسد، الذي دعوتُه في كتاب سابق، وفي الرسالة عن مبدأ العلة من منظور أحادي الوجه عن عمْد (منظور التمثُّل) بالموضوع المباشر، سأقول هنا عنه إنه من وجهٍ آخَر تحقق موضوعي للإرادة. ويمكن للمرء كذلك أن يقول بالتأكيد: إن الإرادة هي المعرفة القبلية بالجسد، وإن الجسد هو المعرفة البَعدية بالإرادة».[27] في الواقع لا يمكن عند شوبنهور الفصل بين الجسد، والإرادة؛ فبحسب السابق نحن نعرف الإرادة من خلال معرفتنا بأجسادنا: «وأخيرًا فإن معرفتي بإرادتي -رغم أنها معرفة مباشرة- لا يمكن أن تنفصل عن معرفتي بجسدي؛ فأنا أعرف إرادتي لا في مجملها، ولا في وحدتها، ولا بشكل تام من حيث طبيعتها، وإنما أعرفها فقط في أفعالها الجزئية، ومن ثم في الزمان، الذي هو بمثابة الصورة التي يتجلى من خلالها جسمي مثلما يتجلى من خلالها أي جسد آخَر. ولذلك فإن الجسد هو شرط معرفتي بإرادتي».[28]
وهي -الإرادة- غير خاضعة لقوانين الظهور Gesetze der Erscheinung، أي المكان، والزمان، والعلية Kausalität، رغم أن تجلياتها، أو تحققاتها الموضوعية بتعبير شوبنهور، تظهر في هذه الأبعاد، وتخضع لهذه الشروط.[29] وهي -لأنها متحررة من المكان والزمان- فهي حرة، وبسيطة، ولا تريد شيئًا بعينه، بل هي إرادة في ذاتها، لا هدف لها إلا النمو، والتكاثر، وهي لذلك إرادة عمياء، واندفاع قاتم dunkler Drang.[30] وبحسب تجليات هذه الإرادة يرتب شوبنهور الفنون؛ ففي القاع تقبع العمارة؛ لأنها الأشد ارتباطًا بين الفنون في رأيه بأبعاد الزمان، والمكان، والعلية، بينما تتربع التراجيديا عنده -في رأي بعض الباحثين- على القمة، وتخرج الموسيقى من التصنيف،[31] أما في رأي آزموت فإن الموسيقى هي التي تنال موضع القمة في هذا التسلسل.[32] ولم يقدم آزموت ما يدعم رأيه بالاستنتاجات. لكن يمكن القول إنه قد قدم رؤية عامة في تسلسل الفنون عند شوبنهور، أما إخراج الموسيقى من التصنيف فيدعمه أن الموسيقى لا تعبّر عند شوبنهور عن أي مثال سابق كما تعبّر بقية الفنون.[33] كما تدعمه حقيقة أن الموسيقى الخالصة غير مادية بحال؛ فما نخلعه عليها من النظام الديناميكي، والشكل، هو عنصر صامت في حد ذاته كما أفاد فيما بعد الفينومينولوجي البولندي رومان إنجاردن.[34] لكن الأهم هنا هو الوضعية الخاصة للموسيقى؛ فإذا كانت لا تعبر عن أي مثال سابق، وطالما هي كذلك متحررة من المادة الخاضعة للعلية والأبعاد الفيزيقية، ولا تحاكي إلا الإرادة ذاتها، فهي ليست مجرد فن، بل هي صورة مباشرة للإرادة، وهذا هو جوهر الموسيقى كميتافيزيقا. لكننا نعلم بالطبع أن الموسيقى ليست ظاهرة بسيطة، ولا تتكون فقط من اللحن؛ فما دور كل عنصر من عناصر هذا المركب في التحقق الموضوعي للإرادة؟
عناصر الموسيقى وعناصر الطبيعة
نظرًا للسؤال البدهي السابق فمن الهام تحليل شوبنهور لعناصر الموسيقى الأساسية: اللحن، والإيقاع، والهارموني. وسنكتشف أن هذا التحليل يُظهِر لنا إلى أي حد تشابكت فلسفته في الموسيقى مع فلسفته في الطبيعة. يتكون اللحن عند شوبنهور من عنصرين: الإيقاع، والهارموني.[35] الهارموني تعددية في الطبقات، والإيقاع هو ما يكسبه الطبيعة الديناميكية. بعبارة أخرى: الهارموني هو العنصر الاستاتيكي، والإيقاع هو العنصر الديناميكي. بيد أنهما عنصران متداخلان عنده، لا يمكن فصلهما في اللحن. يقول: «يتألف اللحن من عنصرين، أحدهما إيقاعي والآخر هارموني: الأول يمكن أيضًا وصفه باعتباره كميًّا، والأخير باعتباره كيفيًّا؛ حيث إن الأول يكون مهتمًا بالمدة، والأخير بشدة النغم وعمقه. وفي كتابة الموسيقى، يعتمد الأول على الخطوط العمودية، ويعتمد الثاني على الخطوط الأفقية. العلاقات الرياضية الخالصة، ومن ثم الزمانية، هي أساس كل منهما؛ فهي في أحدهما المدة النسبية للنغمات، وهي في الأخرى السرعة النسبية لتردداتها. العنصر الإيقاعي ضروري؛ لأنه يمكن أن ينتج بذاته نوعًا من اللحن، بدون العنصر الآخر، كما يحدث على آلة الطَبْلة على سبيل المثال؛ ومع ذلك فإن اللحن الكامل يتطلب كلا العنصرين. وبذلك فإن اللحن يكمن في نوع من تناوب الفُرقَة والمصالحة فيما بينهما».[36]
ويعتمد الهارموني عند شوبنهور على التوافق بين أربع طبقات، تترتب تصاعديًا بحسب مدى تموضع الإرادة فيها من الباص Baß، إلى التينور Tenor، إلى الألطو Alt، وأخيرًا السوبرانو Sopran،[37] ويصنفها مناظِرَةً لممالك الطبيعة من الزاوية نفسها: «إنني أعتبر أغلظ طبقات الهارموني، في الباص الكبير، المستوى الأدنى من تموضع الإرادة، الطبيعة غير العضوية، التي تشكل كتلة الكوكب. وكل النغمات الأعلى، التي تتحرك بخفة وسرعة أكبر، ناجمة عن ترددات ثانوية لأعمق الطبقات، وهي في الوقت نفسه دائمًا ناعمة […] وهذا الآن مشابه analog لذلك: يجب النظر [لنشأة] الجسد الكلّي للطبيعة، وتركيبها، كتطوُّرٍ تدريجي يبدأ من كتلة الكوكب».[38] هكذا ترتبط فلسفة الموسيقى عند شوبنهور ارتباطًا عضويًا بنسقه الفلسفي العام، ولكن عن طريق مشابهة، كما يصرح هو نفسه أعلاه. إن شوبنهور يقوم بعقد مشاكلة عامة بين طبقات الصوت من جهة، وبين ممالك الطبيعة بحسب مدى تموضع الإرادة: فالباص يناظر مملكة المعادن Mineralreich، والتينور يناظر المملكة النباتية Pflanzenreich، والألطو يناظر المملكة الحيوانية Tierreich، والسوبرانو يناظر عالم الإنسان Menschenwelt.[39] على أية حال لم يكن شوبنهور مضطرًا لهذه المشاكلات؛ فقد استطاع استخلاص معنى الموسيقى بالفعل في المواضع السابقة. وسنعود في ختام هذه الفقرة لهذه المسألة.
لكن اللحن ينال النصيب الأكبر من اهتمام شوبنهور كما قلنا؛ فهو التعبير الأكثر مباشرةً عن حركة الإرادة بين الرغبة والإشباع، التي تعبر عنها حركة اللحن من التباعد، والارتداد عن نغمة القرار، وإليها.[40] وربما كانت هذه الفكرة هي مفتاح فهم فلسفة شوبنهور في الموسيقى، ولكن بشرط أن نفهم الإرادة كما يعنيها. من دون هذه الفكرة لن نجد في الموسيقى مثالاً واضحًا على ما يقصد إليه شوبنهور في فرضية الموسيقى كصورة مباشرة للإرادة. أما المشاعر التي يثيرها فينا اللحن، والتي اعتقد هانسلك أنها ناتجة عن المشابهة، والترميز، فإن شوبنهور يعتقد أنها مختلفة أصلاً عن المشاعر، التي نمر بها في المواقف اليومية، فالموسيقى لا تعبر بنفسها عن شعور جزئي، بل عن مشاعر الإرادة ذاتها.[41] ومن هنا كذلك يرفض شوبنهور كل موسيقى وصفية descriptive في «الملاحق والحذوفات» Parerga and Paralipomena.[42] والسبب بطبيعة الحال هو أن تلك المؤلفات ذات البرنامج، أو المصحوبة بالدراما كالأوبرا، تصنع ما يشبه قناعًا على الوجه الحقيقي للموسيقى، وتصرفنا عن الانتباه لحركة الإرادة العمياء فيها. يقول: «الموسيقى، التي هي بعيدة تمامًا عن أن تكون مجرد أداة مساعدة للشِّعر، هي فنٌ مستقل، بل أكثر الفنون قدرةً، وبالتالي تبلغ غاياتها بوسائط خاصة بها تمامًا؛ كذلك فإنها بالتأكيد لا تكون في حاجة إلى كلمات الأغنية أو الحدث في أوبرا ما. الموسيقي في حد ذاتها لا تعرف سوى النغمة أو العلامات النغمية، لا الأسباب التي تُنتِجها. وبالتالي، فإنه حتى الصوت البشري vox humana لا يكون بالنسبة إليها من حيث أصله وماهيته سوى نغمة مُحوَّرة، وهو تمامًا مثل التحوير الصوتي الذي يحدث في آلة موسيقية ما، أو في كل نغمة أخرى، الذي يكون له ميزات وعيوب خاصة ناتجة عن طبيعة الآلة التي تنتج هذا التحوير الصوتي».[43] يمكن القول إن اللحن عند شوبنهور هو تحديدًا ما يحقق استقلال الموسيقى بالتعبير عن الإرادة؛ أي استقلالها عن كل فنٍ مصاحِب، سواءً كان شعرًا، أو رقصًا، أو مشهدًا تمثيليًا. وبالتالي فإن اللحن هو هذه العلاقة في فلسفة شوبنهور بين الموسيقى والطبيعة.
حُدود شوبنهور
إذا كان شوبنهور قد فارقَ الشكلانية مفارقةً واضحة، حين حدد معنًى معينًا للموسيقى عمومًا كما سبق أعلاه، يرى الكاتب أنه –بالرغم من ذلك وعلى ما في ذلك من مفارقة- قد وقع في بعض مشكلاتها هي نفسها، رغم كونه تجاوز البعضَ الآخَر منها. أما من جهة أخرى فقد نتجت عن نظريته تلك مشكلات خاصة، أعجزتْها عن أن تَتَصور الموسيقى كمنظور تفسيري عامّ ملتئِم للعالَم. في هذه الفقرة نحاول استقصاء أبعد حدود قدرات شوبنهور كفيلسوف للموسيقى.
هل قدّم شوبنهور بهذا كله فلسفةً للموسيقى، أم فلسفةً للحن؟ بمعنى: هل استطاع أن يقدّم فعلاً رؤية شاملة لعناصر الموسيقى، وأنماط الإنماء Development، أم قام بتلخيص الموسيقى الخالصة تقريبًا في اللحن؟ هل الهارموني مجرد تنوع في الطبقات؟ في الحقيقة فإن شوبنهور قد قام بحل أهم معضلات الشكلانية الكلاسيكية، أي معضلة المعنَى. يعتقد شوبنهور أن معنى الموسيقى حركة مناظِرة بشكل ما لحركة الإرادة العمياء، ويؤسس فكرة الإرادة في نسق متكامل، يبرر هذا الاعتقاد لمن يعتقد فيه. ولكن تبقى مشكلتان في سياق الشكلانية: مشكلة الهارموني، ومشكلة إعادة السماع. كيف يمكن نظْم الهارموني في هذا النسق القائم على مشابهة الحركة، وهو لا حركة فيه؟ وكيف نكتشف الجديد كلما أعدنا الاستماع للعمل نفسه، إذا كان الشكل الديناميكي هو كل ما تقدمه لنا الموسيقى؟
الهارموني في الأصل، وكما يظهر للوعي بشكل مباشر، وبغض النظر عن محاولة بيتر كيفي لتفكيكه على محور الزمان كأنه «قصة» اجتماع نغمات معينة،[44] يظهر لنا كلحظة واحدة، لا زمان فيها. يفسر هانسلك من جهة أخرى أثرَ الهارموني على نحو أبسط؛ فنحن «اصطلحنا» على هذا الأثر له، كما نصطلح على معنى للونٍ ما مثلاً.[45] وهو رأي لا يفسر الأثر الواحد للتآلُف الواحد عند مستمعين من ثقافات مختلفة، ومن عصور مختلفة. لكن شوبنهور كذلك لا يقدم تفسيرًا مقنعًا لهذه الظاهرة. يعتقد شوبنهور أن التآلفات هي في أصلها تجليات متطورة، بعضها من بعض، للإرادة بحسب مدى التحقق الموضوعي فيها. وهو تفسير يعتمد على المشابهة Analogy، التي هي المعضلة الكبرى في فلسفة الموسيقى، والتي أدت إلى فروض بعيدة عن الواقع. المشابهة منهجية تصلح لفرض الفروض، لا البرهنة عليها. وجود علاقة بين عنصرين لا يعني ترابطهما السببي بالضرورة. يعتقد الكاتب أن أصل تلك المشابهات يقوم على ذلك الشكل المجرد في الموسيقى، الذي نتجه معه تلقائيًا، حين نبحث عن معنى له، لأنْ نجد له معنى كشكل، فنعقد صلات بنيوية بينه من جهة، وبين نسق مجرد، أو طبيعي، أو اجتماعي من جهة أخرى. لكنها ستظل في النهاية مجرد تشابهات.
كما أن السؤال أكبر من هذا: كيف يفسر شوبنهور أنماط الإنماء المختلفة بين المؤلفين، بل بين عمل وآخر للمؤلف نفسه؟ وبرغم عمق معرفة شوبنهور في الموسيقى، فهو لم يتناول بما يكفي هذه النقطة، التي تقع في عمق الموسيقى الكلاسيكية، بل وتُميزها عن غيرها من صنوف الموسيقى. مثلاً يختلف نمط الإنماء عند رحمانينوف -مثلاً في سيمفونيته الثانية- عنه في حالة برامز في سيمفونيته الرابعة، ويختلف نمط الإنماء في تاسعة بيتهوفن عنه في «القُداس الكبير» Missa Solemnis. الفكرة هنا أن شوبنهور قد استبصر حركة الإرادة العامة العمياء في اللحن، وهو تفسير مقبول، وأصيل، عند هذا الحد، لكنه لم يوسّع المنظور؛ ليشمل تطور اللحن نفسه. هل يعبر تطور اللحن كذلك في الإنماء عن حركة الإرادة الواحدة من منظور تطوري، أم عن مستويات مختلفة متجاورة في الأصل لهذه الإرادة، أم عن صراع تلك المستويات؟ وتطرح الموسيقى اللا ميلودية، كموسيقى شوستاكوفيتش، أو شونبرج مثلاً، أو بعض أعمال سترافنسكي،[46] سؤالاً أكثر جذرية من كل ذلك: فإذا كانت هذه الموسيقى لا تقدم لحنًا مكتملاً أصلاً، وتعتمد اعتمادًا كليًا من الناحية الميلودية على الإنماء، فكيف نتبين فيها حركة الإرادة؟ الفكرة هنا أن الإنماء في حد ذاته تفكيك للحن، حتى وإن توافر في أعمال ميلودية راسخة كموتسارت، وبيتهوفن، وبرامز. صحيح أننا نجد «حركة» بين التفكك، والتكوين في مثل تلك الأعمال آنفة الذكر، ولكنها ليست على الإطلاق الحركة، التي يصفها شوبنهور، رغم أنه بالتأكيد كان عليمًا بهذه الأعمال. مما يعني أنه لم يقدم فلسفةً للموسيقى تستوعب حتى المنجز في عصره، بل قبل عصره بقرون بحسب تاريخ الإنماء نفسه، بل قدّم فلسفةً لما يجب أن تكون عليه الموسيقى.
كذلك تطرح علينا سوزان لانجر سؤالاً هامًا: ما سر كل هذا التعقيد الشكلي في الموسيقى؟ ونلاحظ هنا أن الموسيقى هي أعقد الفنون، ومن أعقد البنَى، التي يعرفها البشر عمومًا. وقد حاولت لانجر حل هذه المشكلة بافتراض أن الشكل في الموسيقى يوازي، لا حركة الإرادة، بل الحركة المنطقية-الصورية، أو «التعبير المنطقي» logical expression عن المشاعر بحسبها.[47] هذا التفسير للانجر يكفي ربما بالنسبة لأعمال بسيطة، لكن الأعمال ذات البنى الأكثر تعقيدًا تتجاوز بمراحل مدى تركيب ما نختبره من مشاعر، وأفكار، اللهم إلا في مجال الأنساق الفلسفية المُشيَّدة، التي قد لا يعلم الموسيقار عنها الكثير أصلاً.
وتبقّى في فلسفة الموسيقى عند شوبنهور نقطتان نقديتان: عقيدته الفلسفية، والتحقق الموضوعي للموسيقى بما هي تحقق موضوعي للإرادة. لو فرضنا مثلاً أن العالم الطبيعي، العضوي، وغير العضوي، يقوم على أساس السببية الطبيعية، لا الإرادة، وهذا وارد على الأقل، فكيف نفهم طبيعة الموسيقى عند شوبنهور من هذا المنظور؟ بعبارة أخرى: لا يمكن الفصل هنا بين طبيعة الموسيقى في نظر شوبنهور، وبين نسقه الكلي. فإذا رفض قارئُه مقدماتِ نسقه، أو وجدها على الأقل محتمَلة، لكنها ليست يقينية، فكيف يفهم الموسيقى من خلال نظريته في الموسيقى؟ قلنا فيما سبق إن التفسير الأكثر قبولاً للعلاقة بين نظرية شوبنهور في الموسيقى من جهة، ونسقه العام من جهة، هو أقرب إلى وجهين للعملة نفسها. فكيف نفصلهما؟ نحتاج إلى هذا الفصل بالتأكيد؛ لكي تكون النظرية نفسها أكثر قبولاً، وقدرة على التفسير، حتى مع اختلاف المنطلقات الأساسية. وهنا يبدو الفهم الظاهراتي -كالذي قدمه روبرت مورجان- أكثر مرونة.
من وجهة نظر الكاتب يتعرض روبرت مورجان (1934-؟) Robert P. Morgan في الواقع، وبالأساس، إلى ما غاب عن شوبنهور: كيف تتموضع –تتحقق موضوعيًا- الموسيقى نفسُها؟ يعتقد شوبنهور أن الموسيقى هي التموضع الأكثر نقاءً بين كل الظواهر، وليس بين كل الفنون فحسب، للإرادة، إلى الحد، الذي قد لا يمكن معه أصلاً إدراجها في الظواهر Erscheinungen؛ لأن الأخيرة خاضعة للزمان، والمكان، والعلية. ولكن إذا فرضنا هذه الطبيعة الخاصة جدًا للموسيقى؛ كونها ليست ظاهرة بالمعنى الطبيعي، فكيف تتموضع تلك الظاهرة في عالمنا الطبيعي، وكيف تتموضع في الوعي؟ يرى مورجان أن الموسيقى تخلق لنفسها زمكانها المستقل في الوعي، الذي يتداخل مع الزمكان الطبيعي، والذي تتحرك فيه الموسيقى، فتصير قابلة للإدراك.[48] وهو اعتقاد متأصل في الماضي الفلسفي حتى أرسطوكسينوس في القرن الرابع قبل الميلاد. وبهذا استأصل مورجان الموسيقى كما ندركها -إن جاز التعبير- من العالم الطبيعي، كما استأصلها كذلك شوبنهور، ولكنْ على نحو مختلف. بينما ذهب شوبنهور إلى كون الموسيقى كما ندركها غير محكومة بقوانين الزمان، والمكان، والعلية كظاهرة حرّة، فقد افترض لها مورجان زمكانًا بديلاً، يتداخل مع الزمكان الطبيعي. وفي هاتين العمليتين من الاستئصال تبايَنَ الأساس، الذي تم عليه؛ فبينما تأسس هذا الاستئصال عند شوبنهور على استقلال الإرادة، التي الموسيقى تَموْضُعٌ لها، فقد تأسس عند مورجان على أبعاد بديلة في الوعي. بعبارة أخرى: اعتمد شوبنهور على قطع الصلة بين الموسيقى وبين أبعاد المكان والزمان، بينما اعتمد مورجان على خلق صلات زمكانية بديلة. يمكن تلخيص ذلك بعملية «الاستبعاد» عند شوبنهور، وعملية «التبْعِيد» (أي إضافة أبعاد) Dimensionierung عند مورجان.[49] على أية حال لم يفصّل شوبنهور القول في هذه المسألة، ولم يطرحها على هذا الوجه من التفصيل، والتأصيل، الذي نجده عند مورجان.
هذه المشكلات يراها الكاتبُ أساسيةً في فلسفة الموسيقى عند شوبنهور، وتُعجزنا عن تبنّيها، وتبنّي الموسيقى بالتالي، كمنظور تأويلي خالص؛ بمعنى كونه منظورًا للتأويل، لا نتيجة له. ومع ذلك، ومع الاعتبار بالانتقادات السابقة: الهارموني، تَكرار السماع، الإنماء، التعقيد الشكلي، الارتباط العضوي بالمذهب، و«الاستبعاد»، يبقى لشوبنهور أنه استطاع تفسير أثر اللحن بما يثبت أصالته الفلسفية، وأن أثره في فلسفة الموسيقى، بل ربما نقول «تأسيسه» لفلسفة الموسيقى، لا يمكن إنكاره في التاريخ اللاحق، وأنه متفرد في سلك المثالية الألمانية بهذا الموضع المركزي للموسيقى بين كل ظواهر العالَم.
[divider style=”solid” top=”20″ bottom=”20″]
[1] Asmuth, Christoph, “Musik als Metaphysik- Platonische Idee, Kunst und Musik bei Arthur Schopenhauer”, Philosophischer Gedanke und Musikalischer Klang. Zum Wechselverhältnis von Musik und Philosophie. (Hrsg.) Asmuth, Christoph – Scholtz, Gunter – Stammkötter, franz-Bernhard, Frankfurt a.M. 1999, S. 111-125.
[2] Kivy, Peter, Introduction to Philosophy of Music, Clarendon Press, Oxford, 2002, p. 21. Langer, Susanne K., Philosophy in a New Key- A Study in the Symbolism of Reason, Rite, and Art, The New American Library, 1954, pp. 177-178. Martinelli, Riccardo, Philosophy of Music- A History, op. cit., 2012, p. 20. See also: Barker, Andrew (Ed.), Greek Musical Writing- Harmonic and Acoustic Theory, V. II, Cambridge University Press, 1989, pp. 83-84. Bonds, Mark Evan, “Idealism and the Aesthetics of Instrumental Music at the Turn of the Nineteenth Century”, Journal of the American Musicological Society, Vol. 50, No. 2/3 (Summer – Autumn,1997), pp. 387-420. At p. 418.
[3] Stecker, Robert, (2009), “Methodological Questions about the Ontology of Music”, Journal of Aesthetics and Art Criticism, 67(4): 375–86. Caplan, Ben & Carl Matheson, (2004), “Can a Musical Work be Created?” British Journal of Aesthetics, 44(2): 113–34.
[4] Davies, Stephen, Themes in the Philosophy of Music, Oxford: Oxford University Press, pp. 30-46.
[5] Aristotle, The complete works of Aristotle; the revised Oxford translation. Two volume set. Edited by Jonathan Barnes, V. II, Metaphysics, 985b23-986a13.
[6] Aristoxenus, Elementa Harmonica, in :Barker, Andrew (Ed.), Greek Musical Writing- Harmonic and Acoustic Theory, V. II, Cambridge University Press, 1989, pp. 126-134.
[7] Dalton, Sidna Poage, A Critical Review of the Theory of Education in Plato’s Republic, University of Missouri, 1914, open source, https://doi.org/10.32469/10355/16158, p. 8. Barrow, Robin , Plato and Education, Routledge, 2012, p. 23.
[8] Aristotle, Problemata, trans. E.S. Foster, Book XIX (Problems Connected with Music), Oxford at the Clarendon Press, 1927, Ch. 27. Aristotle, De Anima, Books II and III with Passages from Book I, trans. D. W. Hamlyn, Book I, Ch. 4, 408a34-408b5, p. 6.
[9] Hanslick, Eduard, Vom Musikalisch-Schönen. Ein Beitrag zur Revision der Ästhetik der Tonkunst, Leipzig, Druck und Verlag von Breitkopf & Härtel, 1922.
[10] Ebd., S 28-29.
[11] Scruton, Roger, “German Idealism and the Philosophy of Music”, The Impact of Idealism. The Legacy of Post-Kantian German Thought. Volume III. Aesthetics and Literature. General editors Nicholas Boyle and Liz Disley, edited by Christoph Jamme and Ian Cooper, Cambridge University Press, 2013, p. 177.
[12] توفيق، سعيد: ميتافيزيقا الفن عند شوبنهور، دار التنوير، بيروت، ط1، 1983، ص 240-241.
[13] Scruton, Roger, “German Idealism and the Philosophy of Music”, op. cit., p. 178.
[14] Asmuth, Christoph, “Musik als Metaphysik- Platonische Idee, Kunst und Musik bei Arthur Schopenhauer”, ebd., S. 111-125.
[15] Bonds, Mark Evan, “Idealism and the Aesthetics of Instrumental Music at the Turn of the Nineteenth Century”, Journal of the American Musicological Society, Vol. 50, No. 2/3 (Summer – Autumn,1997), pp. 387-420. At p. 418.
[16] Langer, Susanne K., Philosophy in a New Key- A Study in the Symbolism of Reason, Rite, and Art, op. cit., pp. 177-178.
[17] شوبنهور، آرتور: العالم إرادة وتمثلاً، المجلد الثاني، ترجمة سعيد توفيق (مخطوط، بإذن خاصّ من المترجم).
[18] Schopenhauer, Arthur, Die Welt Als Wille und Vorstellung, 1. Band, F.A. Brockhaus, Leipzig, 1859, S. 3.بصفة عامة جميع الترجمات من الإنجليزية الألمانية للكاتب ما لم يقل خلاف ذلك
[19] Payne, E. F. J., Introduction to his translation of: The World as Will and Representation by Arthur Schopenhauer, Dover Publications, Inc., New York, 1969, p. VI.
[20] Specifikation: كذا في الأصل، وتكتَب حاليًا في الألمانية Spezifikation.
[21] Schopenhauer, Arthur, Über die vierfache Wurzel des Satzes vom zureichenden Grunde: eine philosophische Abhandlung, Joh. Christ. Hermann’sche Buchhandlung. F.E. Suchsland, Franfurt am Main, 1847, S. 1-2.
[22] Ebd.
[23] Marx, A. B., “Musical Form in the Age of Beethoven: Selected Writings. On Theory and Method”, Music, Theory and Analysis; ed. by Scott Burnham, 12, Cambridge University Press, 1997, pp. 174-175. See also: Marx, A. B., Ludwig van Beethoven, Leben und Schaffen, Verlag von Otto Janke, Berlin, 1901, S. 204-207.
[24] Hanslick, Eduard, Vom Musikalisch-Schönen. Ein Beitrag zur Revision der Ästhetik der Tonkunst, ebd., S. 28-29.
[25] توفيق، سعيد: ميتافيزيقا الفن عند شوبنهور، سبق ذكره، ص 242.
[26] Schopenhauer, Arthur, Die Welt Als Wille und Vorstellung, 1. Band, ebd., S 120. “Jeder wahre, ächte, unmittelbare Akt des Willens ist sofort und unmittelbar auch erscheinender Akt des Leibes”.
[27] Ebd. “Ich werde daher den Leib, welchen ich im vorigen Buche und in der Abhandlung über den Satz vom Grunde, nach dem dort mit Absicht einseitig genommenen Standpunkt (dem der Vorstellung), das unmittelbare Objekt hieß, hier, in einer andern Rücksicht, die Objektität des Willens nennen. Auch kann man daher in gewissem Sinne sagen: der Wille ist die Erkenntniß[sic.] a priori des Leibes, und der Leib die Erkenntniß [sic.] a posteriori des Willens”.
[28] شوبنهور، آرتور: العالم إرادةً وتمثلاً، ترجمة وتقديم وشرح سعيد توفيق، مراجعة فاطمة مسعود، المجلد الأول، المشروع القومي للترجمة، المركز الأعلى للثقافة، القاهرة، ط1، 2006، ص 196.
[29] Asmuth, Christoph, “Musik als Metaphysik- Platonische Idee, Kunst und Musik bei Arthur Schopenhauer”, ebd., S. 111-125. S. 114.
[30] Ebd.
[31] توفيق، سعيد: ميتافيزيقا الفن عند شوبنهور، سبق ذكره، ص 239.
[32] Asmuth, Christoph, “Musik als Metaphysik- Platonische Idee, Kunst und Musik bei Arthur Schopenhauer”, ebd., S. 111-125. S. 114.
[33] توفيق، سعيد: ميتافيزيقا الفن عند شوبنهور، سبق ذكره، ص 239.
[34] Ingarden, Roman, The Work of Music and the Problem of Its Identity, translated from Polish by Adam Czerniawski, edited by Jean G. Harrell, Macmillan Press, 1986, p. 91.
[35] Asmuth, Christoph, “Musik als Metaphysik- Platonische Idee, Kunst und Musik bei Arthur Schopenhauer”, ebd., S. 111-125. S. 121.
[36] شوبنهور، آرتور: العالم إرادة وتمثلاً، المجلد الثاني، ترجمة سعيد توفيق (مخطوط، بإذن خاصّ من المترجم).
[37] Asmuth, Christoph, “Musik als Metaphysik- Platonische Idee, Kunst und Musik bei Arthur Schopenhauer”, ebd., S. 120.
[38] Schopenhauer, Arthur, Die Welt Als Wille und Vorstellung, 1. Band, ebd., S 304-305. “Ich erkenne in den tiefsten Tönen der Harmonie, im Grundbaß, die niedrigsten Stufen der Objektivation des Willens wieder, die unorganische Natur, die Masse des Planeten. Alle die hohen Töne, leicht beweglich und schneller verklingend, sind bekanntlich anzusehn [sic.] als entstanden durch die Nebenschwingungen des tiefen Grundtones, bei dessen Anklang sie immer zugleich leise miterklingen […]. Dieses ist nun dem analog, daß die gesammten Körper und Organisationen der Natur angesehn [sic.] werden müssen als entstanden durch die stufenweise Entwickelung aus der Masse des Planeten“
[39] Asmuth, Christoph, “Musik als Metaphysik- Platonische Idee, Kunst und Musik bei Arthur Schopenhauer”, ebd., S. 111-125. S. 120.
-كذلك: توفيق، سعيد: ميتافيزيقا الفن عند شوبنهور، سبق ذكره، ص 240-241.
[40] السابق، ص 242.
[41] السابق، ص 243.
[42] Schopenhauer, Arthur, Parerga and Paralipomena: Short Philosophical Essays, Vol. II, op. cit., p. 430
[43] شوبنهور، آرتور: العالم إرادة وتمثلاً، المجلد الثاني، ترجمة سعيد توفيق (مخطوط، بإذن خاصّ من المترجم).
[44] Kivy, Peter, Introduction to Philosophy of Music, op. cit., pp 43-44.
[45] Hanslick, Eduard, Vom Musikalisch-Schönen. Ein Beitrag zur Revision der Ästhetik der Tonkunst, ebd., S. 29.
[46] الخولي، سمحة: القومية في موسيقى القرن العشرين، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1992، ص 119.
[47] Langer, Susanne K., Philosophy in a New Key- A Study in the Symbolism of Reason, Rite, and Art, op. cit., p. 176.
[48] Morgan, Robert, “Musical Time/Musical Space”, Critical Inquiry, Vol. 6, No. 3 (Spring, 1980), pp. 527-538. Also re-published in: Morgan, Robert, Music Theory, Analysis, and Society Selected Essays, Routledge, 2016, pp. 101-112.
[49] الكلمة موجودة في الألمانية بهذا المعنى، لكن الترجمة للكاتب، ولم يستعملها مورجان.