نعم
بقلم: نيل لويس جونيور
إنّهم يُعدّون قوائمهم ويُراجعونها مرّتين، ويُحاولون تحديد مَن سيُقبل في الجامعة ومَن لن يُقبل. هذا هو موسم القبول، وتتصاعد التّوتُّرات؛ حيث يتصارع قادة الجامعات مع قرارات صعبة ستؤثّر على مستقبل جامعاتهم. ومن بين هذه التوترات؛ في السنوات القليلة الماضية، كانت مسألة ما إذا كان ينبغي للاختبارات القياسية أن تكون محوريّة في هذه العملية.
عام 2021م، تخلَّى نظام جامعة كاليفورنيا عن استخدام الاختبارات القياسية جميعها للقبول في المرحلة الجامعية، وحَذتْ جامعة كاليفورنيا الولائية حذوها في الربيع الماضي، وفي نوفمبر، صوَّتت نقابة المحامين الأمريكية لصالح التخلّي عن شرط اختبار القبول (LSAT) للالتحاق بكليات الحقوق في البلاد ابتداءً من عام 2025م، وقد توصلت العديد من الكليات الأخرى في الآونة الأخيرة إلى النتيجة نفسها، تفيد مجلة العلوم أنّ من بين عيّنةٍ مكونة من 50 جامعة أمريكية 3% فقط من برامج الدكتوراه في العلوم تتطلّبَ حاليًا من المتقدمين تقديم درجات اختبار تقييم الخريجين (GRE) مقارنةً بنسبة 84% قبل أربع سنوات. والآن، تشعر الكليات التي أسقطت متطلبات الاختبار الخاصة بها أو جعلتها اختيارية -استجابة للوباء- بالحيرة، بشأن إعادة هذا الاختبار في متطلبات القبول.
لقد جادل مُؤيِّدو هذه التغييرات منذ فترة طويلة بأنّ الاختبارات القياسية مُتحيِّزة ضد الطلاب ذوي الدخل المنخفض والطلاب ذوي البشرة الملونة، ولا ينبغي القيام بها، ويذكرون أنّ هذا النظام يعمل على إدامة الوضع الراهن؛ حيث يكون الأطفال الذين ينتمي آباؤهم إلى أعلى 1% من توزيع الدخل أكثر احتمالية بنسبة 77% للالتحاق بجامعةٍ من رابطة اللبلاب (Ivy League) مقارنةً بالأطفال الذين يكون آباؤهم أدنى 5%. لكنّ أولئك الذين ما زالوا يُؤيِّدون الاختبارات يزعمون أنّ المدارس تمكَّنت من تحديد الطلاب الموهوبين ذوي الدخل المنخفض والطلاب ذوي البشرة الملوّنة، ومنحهم تجارب تعليمية تحويلية من خلال هذه الاختبارات.
هذان المَنظوران -الاختبارات القياسية هي محرك لعدم المساواة، وأداة عظيمة لإصلاح عدم المساواة-، غالبًا ما يتعارضان مع بعضهما بعضًا في الخطاب المعاصر. ولكن من وجهة نظري، هي ليست مواقف معارضة. كلا المنظورين يُمكِن أن يكونا صحيحين في الوقت نفسه؛ إذ يمكن أن تكون الاختبارات مُتحيِّزة ضد الطلاب المُهمّشين، ويمكن استخدامها لمساعدة هؤلاء الطلاب على النجاح، وغالبًا ما ننسى درسًا مهمًا حول الاختبارات القياسية؛ حيث تأخذ (أو على الأقل مخرجاتها) صيغة بيانات، ويمكن تفسير البيانات والتصرف بناءً عليها بِطرائق متعددة، قد يبدو هذا أمرًا بدهيًّا، لكنّه أمر بالغ الأهمية لحلّ هذا النقاش.
أُدرّس ندوة في الدكتوراه حول أساليب البحث الكمّي التي تتعمق في تعقيدات توليد البيانات وتفسيرها وتطبيقها، إحدى المقالات التي ناقشتُها: مقالة أندريا جونز روي: “أنا عالِم بيانات أُشكّك في البيانات” (I’m a Data Scientist Who Is Skeptical About Data) تحتوي على فقرةٍ ذات صِلة بأفكارنا حول الاختبارات القياسية واتباعها في إجراءات القبول:
لا يُمكن للبيانات أن تُوضّح أيّ شيء عن مشكلةٍ ما، مثلما لا تستطيع المطرقة بناء منزل، أو كما لا نستطيع استخدام طحين اللوز في صنع الماكرون، تُعدُّ البيانات عنصرًا ضروريًا في الاكتشاف، لكنّك تحتاج إلى إنسان ليختارها ويُشكّلها ويُحوّلها إلى رؤية.
عند مراجعة طلبات الالتحاق، يتعين على مسؤولي القبول تحويل نتائج الاختبار إلى أفكارٍ ثاقبة حول إمكانات كل مُتقدِّم للنجاح في الجامعة، لكنّ قدرتهم على توليد تلك الأفكار تعتمد على ما يعرفونه عن عملية توليد البيانات الأوسع التي قادت الطلاب إلى الحصول على تلك الدرجات، وكيف يُفسّر المسؤولون ما يعرفونه عن تلك العملية. بعبارةٍ أخرى؛ إنّ ما يفعلونه بنتائج الاختبارات -وما إذا كانوا سيُؤدّون إلى إدامة عدم المساواة أو الحدّ منها- يعتمد على كيفية تفكيرهم في التحيز في نظامٍ أكبر.
أوّلًا، تحديد الأشخاص الذي يتقدّمون لهذه الاختبارات ليس عشوائيًا. يمكن أن يكون الحصول على النتيجة مُكلفًا للغاية -من حيث الوقت والمال-، حيث يكون بعيدًا عن متناول العديد من الطلاب، ويمكن معالجة مصدر التحيز هذا -جزئيًا على الأقل- من خلال السياسة العامة. على سبيل المثال؛ وجدت الأبحاث أنّه عندما تُنفِّذ الولايات سياسات الاختبار الشاملة في المدارس الثانوية، وتجعل الاختبار جزءًا من المنهج الدراسي العادي بدلًا من كونه إضافة يجب على الطلاب وأولياء الأمور توفيرها، فقد يلتحق عدد أكبر من الطلاب المحرومين بالجامعات، وستضيق فجوة الدخل. لكن، حتى لو تمكنّا من حلّ هذه المشكلة، فإنّ هناك مسألة أخرى -أصعب- ستظلّ بحاجةٍ إلى حلّ.
تتعلَّق المسألة الثانية بما تقيسه الاختبارات فعليًا، لقد جادل الباحثون حول هذا السؤال لعقودٍ من الزمن، وما زالوا مستمرين في مناقشته في المجلات الأكاديمية. ولفهم هذا التوتر؛ تذكّرْ ما قلته سابقًا: تُحاول الجامعات معرفة إمكانية نجاح المتقدمين، وتعتمد قدرة الطلاب على تحقيق إمكاناتهم على ما يعرفونه قبل وصولهم إلى المرحلة الجامعية، وعلى وجودهم في بيئةٍ أكاديمية داعمة، من المفترض أن تقيسَ الاختبارات المعرفة السابقة، لكنّ طبيعة التعلّم في المجتمع الأمريكي تتضمن قياس بعض الأمور الأخرى أيضًا.
في الولايات المتحدة، لدينا نظام تعليم ابتدائي وثانوي غير متكافئ بسبب القوانين والسياسات التاريخية والمعاصرة، ما تزال المدارس الأمريكية تُعاني من الفصل الشديد على أساس العِرق والطبقة الاجتماعية، ويُؤثّر هذا الفصل على ما يتاح للطلاب من فرصٍ تعليمية. يمكن للمدارس ذات الموارد الجيدة أن تُوفّرَ تجارب تعليمية أكثر إثراءً لطلابها مقارنةً بالمدارس التي تُعاني من نقص التمويل، عندما يخضع الطلاب لاختباراتٍ قياسية، فإنّهم يُجيبون عن الأسئلة بناءً على ما تعلّمونه، ولكن ما تعلّمونه يعتمد على نوع المدارس التي كانوا محظوظين (أو غير محظوظين) للالتحاق بها.
ما يخلق تحدِّيًا للاختبارات والجامعات التي تعتمد على بياناتهم أنّهم يُحاولون تقييم كفاءة الطلاب، لكنّ الطبيعة غير المتكافئة لبيئات التعلُّم التي نشأ فيها الطلاب تعني أنّ الاختبارات تكشف أيضًا الفوارق الأساسية، وهذا هو أحد أسباب عكس درجات الاختبار لأنماطٍ أكبر من عدم المساواة، عندما يرى مسؤولو القبول طالبًا حصل على درجاتٍ منخفضة، فإنّهم لا يعرفون ما إذا كان هذا الشخص يفتقر إلى الإمكانات أم أنّه حُرم بدلًا من ذلك من الفرص التعليمية.
إذن، كيف ينبغي للكليات والجامعات أن تستخدم هذه البيانات في ضوء ما تعرفه من العوامل التي تُسهِمُ فيها؟ تعتمد الإجابة على رسالة الكليات والجامعات، وهدفها الأوسع في المجتمع.
منذ البداية، كان الهدف من الاختبارات القياسية هو فرز الطلاب، ويصف تقرير للكونجرس عن تاريخ الاختبارات القياسية في المدارس الأمريكية، عدم رضا كليات وجامعات النخبة في أواخر القرن التاسع عشر بشأن جودة خرّيجي المدارس الثانوية، وسَعت إلى إيجاد وسيلةٍ أفضل لفرزهم؛ إذ اقترح رئيس جامعة هارفارد لأوّل مرة نظامًا لامتحانات القبول المشتركة عام 1890م، وتمّ تشكيل مجلس امتحانات القبول في الكلية بعد 10 سنوات، أدَّى هذا التوجه -نحو الاستبعاد- إلى دفع المدارس للسير على طريق استخدام الاختبارات لقبول الطلاب الذين لديهم إمكانية تجسيد تراث المؤسسة المرموق والحفاظ عليه، دفعهم هذا إلى وضع بعض السياسات المزعجة. على سبيل المثال؛ قبل بضع سنوات، اعترف متحدث باسم جامعة تكساس في أوستن بأنّ اعتماد الجامعة للاختبارات القياسية في خمسينيات القرن العشرين كان نتيجة مخاوفها بشأن تأثيرات قضية براون ضد مجلس التعليم، ونظرت جامعة تكساس في توزيع درجات الاختبار، ووجدت نقاطًا قطعية من شأنها أن تستبعد غالبية المتقدمين السُّود، ثمّ استخدمت استراتيجية الاستبعاد هذه لتوجيه عمليات القبول.
غالبًا ما تدّعي الجامعات هذه الأيام أنّ لديها أهدافًا للإدماج وعدم الاستبعاد، ولا يتحدّثون عن قيمة تعليم أطفال النُّخب فحسب، بل أيضًا تعليم شريحة متنوعة من السكان، فبدلًا من البحث عن الطلاب الذين حظوا بمزايا هائلة وقبولهم واستبعاد أيّ شخص آخر، تُحاول هذه المدارس قبول وتعليم الطلاب الذين لم تُتحْ لهم فرص تعليمية ملحوظة في الماضي.
يُمكن للاستخدام الدقيق لبيانات الاختبار أن يدعم هذا الهدف؛ فإذا كانت نتائج الطلاب تُشير إلى الحاجة إلى مزيدٍ من الدعم في مجالاتٍ معينة، فقد تستثمر الجامعات المزيد من الموارد التعليمية في تلك المجالات. يُمكنهم توظيف المزيد من المعلمين أو مُوظّفِي الدعم للعمل مع الطلاب ذوي الدرجات المنخفضة، وإذا لاحظتِ المدارس أنماطًا مثيرة للقلق في البيانات -مجالات لم يكن الطلاب فيها مستعدين بشكلٍ كافٍ- فقد تُبدي ردة فعل بإدارة الأمر وليس بالاستياء، يُمكنهم مطالبة الدولة بتوفير الموارد الأفضل للمدارس من الروضة وحتى الصفّ الثاني عشر.
إنّ مثل هذه الاستثمارات ستكون في مصلحة الأُمَّة؛ حيث تتمثّل إحدى وظائف نظامنا التعليمي في إعداد الشباب لمواجهة التحديات الحالية والمستقبلية، ويشمل ذلك: تحسين المساواة والابتكار في العلوم والهندسة، معالجة تغير المناخ والعدالة المناخية، إنشاء أنظمة تكنولوجية تعود بالنفع على جمهورٍ متنوع. وتستفيد هذه المجالات جميعها من عمل مجموعاتٍ متنوعة من الأشخاص معًا، لكن، لا يُمكن للمجموعات المتنوعة أن تجتمع معًا إذا لم يتعلّم بعض منهم المهارات اللازمة لإدماج وإشراك الجميع.
لكن، لم تسعَ الجامعات -على الأقل جامعات النخبة- تقليديًا إلى تحقيق الإدماج من خلال استخدام الاختبارات القياسية أو غير ذلك. في الوقت الحالي، تُشير الأبحاث -حول سلوك الجامعات- إلى أنّها تتصرف كما لو كانت تتنافس إلى حدٍّ كبير على المكانة الاجتماعية، إذا كانت هذه هي رؤيتهم -بدلًا من تعزيز التعليم الشامل- فمن المنطقيّ استخدام نتائج الاختبارات للاستبعاد؛ حيث يُساعد تسجيل الطلاب -الحاصلين على أعلى الدرجات- المدارس في تحسين رُتبتها ومكانتها في السوق.
هذا يعني أنّ الاختبارات نفسها لا تُمثّل المشكلة بحد ذاتها؛ حيث تتضمن معظم بنود القبول التحيزات نفسها، ومن حيث تفضيل الأغنياء، فإنّ مقالات التقديم على الكلية التي يكتبها الطلاب أسوأ حتى من الاختبارات القياسية، وينطبق الأمر نفسه على المشاركة في الأنشطة اللامنهجية والقبول على أساس القرابة؛ حيث تمثّل هذه العوامل كلّها مصادر تزود الجامعات بمعلوماتٍ “مفيدة” حول أنواع الطلاب الذين قد يلتحقون بالجامعة.
لا تشرح هذه البيانات نفسها؛ حيث يُمنح الأشخاص الذين يُفسّرون هذه البيانات ويتصرفون بناءً عليها مزايا للطلاب الأثرياء، لكن، يُمكنهم اتخاذ قرارات مختلفة بدءًا من اليوم، سواءٌ استمرت الجامعات في مساراتها الحصرية أم أصبحت مؤسَّسات أكثر شمولًا، لا يعتمد ذلك على كيفية مِلء الطُّلاب ورقة الإجابة، بدلًا من ذلك، يتعيّن على المدارس أن تجد الإجابات بنفسها: ما هي رسالة العمل الّتي تعمل فيها، وما هي الفئة التي تُقدّم خدماتها لها؟
(وفق اتفاقية خاصة بين مؤسسة معنى الثقافية، ومنصة ذا أتلانتيك).
تُرجمت هذه المقالة بدعم من مبادرة «ترجم»، إحدى مبادرات هيئة الأدب والنشر والترجمة.

الآراء والأفكار الواردة في المقالة تمثّل وِجهة نَظر المؤلف فقط.