النقاط الرئيسية
- تعد مشاركة الأشياء التي يحبها الأشخاص أو يكرهونها الطريقة المثلى لتحديد مكانتهم في المجتمع.
- هناك ثلاثة أنواع مختلفة من الكراهية: المضايقات، والعداءات، والنفور.
- في بعض الأحيان، تصبح شكاوانا معتادة جدًّا بحيث تكون جزءًا مهمًّا من هوية الفرد أو “بصمةً” لها.
عبر المرشد السياحي الذي كان يرافقنا خلال رحلتنا إلى إسبانيا قبل بضع سنوات، والذي كان من برشلونة، عن كراهيته لفريق ريال مدريد لكرة القدم، فبالنسبة له، هو يفضل أن يخسر فريقه المحلي المحبوب (نادي برشلونة لكرة القدم، الذي كان ليونيل ميسي نجمه آنذاك) مباراة بدلًا من فوز فريق مدريد المنافس بمباراة، كما اندفع قائلًا بأنه يفضل رؤية ريال مدريد يخسر في مباراة تدريبية بدلًا من رؤية فريقه يفوز بمباراة موسمية عادية، كان هذا هو مدى كرهه لريال مدريد.
ضحكت المجموعة في الحافلة بتقاعس مدركين أنه ربما روى هذه القصة لكل مجموعة سياحية، ولكن دفعتنا تعليقاته للتفكير، هل هناك أمور لا تعجبنا ونشعر أننا مطالبون بالإفصاح عنها للآخرين؟ وإن كان كذلك، فلماذا نعبر عما نكرهه؟
ثلاثة أنواع من الشكاوى
أن تكون إنسانًا يعني أن يكون لديك ما تحب وما لا تحب، تعد معرفة الأشياء التي تعجبنا والتي نكرهها والابتعاد عنها هي الطريقة المثلى لنحدد مكانتنا في العالم، وفي الواقع، لتحديد من نحن وما نؤيده، إن مشاركة مشاعرنا مع الآخرين والحصول على بعض التعليقات عما قلناه يعزز ما نشعر به بالفعل.
بالطبع، جميعنا يشكو من أشياء مختلفة، انظر في ثلاثة أنواع من الاعتراضات: المضايقات، والعداءات، والنفور.
المضايقات: إن المضايقات هي اعتراضات من الأشخاص على بعض المواقف المختلفة والسلوكيات التي تحدث خلالها، تصبح الاعتراضات على المواقف (مثل الصفوف الطويلة والبطيئة الحركة في متجر البقالة) “مضايقات” عندما نشعر بأنها متكررة أو كثيرة الحدوث (يحدث هذا دائمًا هنا)، تصبح الاعتراضات “مصدر مضايقات” عندما ندرك أن هذه الأمور هي ما نلاحظها نحن في كثير من الأحيان ونشتكي منها، عندما نستسلم لهذه المضايقات، فإننا نغذي بذلك مشاعر الاستياء لدينا ونتحرى الفرص للتعبير عنها (إن هذا الأمر يزعجني، يجب أن أتحدث مع مدير المتجر).
من المؤكد أن قائمة السلوكيات التي تزعج الناس طويلة لا نهاية لها، ويبدو أن معظمها أفعال تدل على الفظاظة، فنحن نعترض عندما يأتي الناس إلى العمل أو المناسبات الاجتماعية وهم مرضى وعندما لا يغسلون أيديهم بعد استخدام الحمام، كما نمتعض عندما لا يردون على رسائلنا النصية أو مكالماتنا بسرعة أو -على العكس من ذلك- عندما يتلقون المكالمات في حضورنا، ولا يعجبنا أن يتحدث الناس وأفواههم ممتلئة أو يسعلون ويتجشؤون من دون قيود، أو يقودون السيارة بسرعة كبيرة أو ببطء شديد، ونستاء عندما لا يعتذر لنا الأشخاص بخصوص أمرٍ ما أو عندما ينتقدوننا من دون علمنا أو يعاقبوننا “بالصمت”، إضافةً إلى ذلك، فإننا نشعر بالانزعاج عندما يضايق بعض الأشخاص موظفي الخدمة وممثلي خدمة العملاء بسبب أمور لا يستطيع هؤلاء الموظفون التحكم فيها، أو عندما يكون هؤلاء الأشخاص مستغلين لغيرهم أو ممن يعطون مبلغ بقشيشٍ قليلًا.
معظمنا مذنب لإزعاجه الآخرين، فعلى سبيل المثال، أنا أتأخر في أغلب الأحيان، وأمضغ أطراف الأقلام وأعطي نصائح غير مرغوب فيها، وأنا من الأشخاص الذين يحاولون الوصول إلى مقدمة المجموعة عند صعود الطائرة، وللقارئ أن يقرر أيًّا من العادات التي يمتلكها تزعج الآخرين.
العداءات: كما هو حال المرشد السياحي من برشلونة، فنحن نسخط أفرادًا ومجموعات محددة، وفي كثير من الأحيان، ليس لهذه المشاعر أساس تجريبي قوي، أي أن الأشخاص الذين لا نحبهم لم يفعلوا لنا أي شيء شخصي، يبدو الأمر ببساطة أن هؤلاء الأشخاص الذين لا يعجبوننا يقفون في طريق المجموعات أو الفرق التي نشجعها، وبالتالي، فإن أي مكاسب يحققونها تعد تهديدات لمكانتنا وقوتنا وحتى سعادتنا.
من الجدير بالذكر أن معظم انتقاداتنا اللاذعة مخصصة للأشخاص “المقربين” منا، إما بمعنى أنهم يشاركوننا في أماكن العمل أو أنهم مساوون لنا تقريبًا في المكانة والسلطة، ومن هذا المنطلق، فإننا نستمتع بالمنافسات اللدودة في الرياضات الجماعية والخلافات في المدارس والبلدات ذات المواقع المتشابهة والمتقاربة، وبالطريقة نفسها، تعلمنا أن نكره بعض الدول، ويكون هؤلاء “الأعداء” دولًا ضعيفة تقع في منتصف العالم وغير مبالية بنا، بدلًا من ذلك، فهي ستشكل “تهديدات” لمصالحنا الاقتصادية، والسياحة، وأسلوب حياتنا العام، كلما أصبحوا أقوى، بدا الأمر أسوأ.
قد يجادل القارئ بأن التحيز العنصري (والذي يكون في كثير من الأحيان اعتداء على فئات من المحرومين البعيدين عن مراكز السلطة) هو استثناء لهذه القاعدة، ومع ذلك، فإن أغلبية من يحتلون مناصب عليا في السلطة يميلون أن يكونوا أكثر برودًا تجاه هذه القضايا، هؤلاء الأفراد هم الذين يخشون فقدان وظائفهم لصالح الأقليات الصاعدة أو مشاركة مدارسهم وأحيائهم معهم، وهم الذين يعبرون عن مشاعرهم العنيفة.
ضع في حسبانك أيضًا أن قوائم أفضل الأصدقاء وأسوأ الأعداء تتشكل عادةً من المجموعة المحددة من الأشخاص أنفسهم، وقد تتغير مشاعرنا تجاه بعض الأفراد بسرعة لننقلهم من قائمة إلى أخرى، ومثلما نكون على أهبة الاستعداد لمنع أي شخص بالغ يحاول لفت انتباه خليلنا منا، فالأمر نفسه ينطبق على زملاء العمل الذين يودون الحصول على الترقية التي نسعى إليها.
في بعض الأحيان، نواجه هؤلاء الأشخاص على نحو مباشر، ولكن ما يشيع أكثر هو أننا نشتغل من خلفهم، مثل إلقاء النكات ونشر الشائعات وتعزيز الأفكار الشائعة، وسواء اعترفنا بكراهيتنا لـ”هؤلاء الأشخاص” أم لا، فإن دافعنا الحقيقي هو أن نهدد مكانتهم ونرفع مكانتنا، إن تعبيرنا عن مشاعرنا على نحو صريح هو استجداء منا للحصول على الدعم.
النفور: تختلف هذه النقطة عن النقطتين السابقتين، فهي عبارة عن كره ورفض غريزي نشعر به تجاه أنشطة وسلوكيات معينة، في الحالات القصوى، تكون تلك المشاعر بمثابة مخاوف، وعادةً ما تكون مجرد أحكام عن أشياء لا “نحب” القيام بها أو في حقيقة الأمر “لا نريد” القيام بها، مهما كان حجم الضغوط التي يفرضها الآخرون علينا.
إن فكرة التفضيلات والميول المختلفة لدى الأفراد جوهرية في علم النفس، فنحن نُعجب بشيء ما -أو فئة معينة- أكثر من آخر، ولا نعترض على وجود ذلك الشيء ذي القيمة السلبية كما لا نراه يشكل تهديدًا مباشرًا لنا، بل قد نكون قادرين على العمل في المواقف التي يوجد فيها “هذا الشيء”، ومع ذلك، نحن أنفسنا لا نريد أن نقترب منه كثيرًا أو أن ننخرط معه، كما لا نمانع في التعبير عن اعتراضاتنا للآخرين.
مرة أخرى، قائمة الأشياء التي يتحاشاها الأفراد لا نهاية لها، لنأخذ كره الطعام على سبيل المثال، في حين أن هناك أسبابًا وجيهة لعدم تناول أطعمة معينة (مثل الحساسية المحددة، ونقص الإنزيمات، والقناعات الأخلاقية)، فإن العديد من الأشخاص الذين أعرفهم ببساطة لا يأكلون أطعمة معينة، من بينها الفطر والبيض المطبوخ والمايونيز والكرفس والجبن والبازلاء والزيتون، كما يتجنب البعض تناول الكربوهيدرات، يجب على المضيفين -والمطاعم العمل وفقًا لمتطلبات الأفراد.
لا شك أن كل واحد منا لديه تفضيلات معينة، ولكن يتعين علينا أن نقرر إلى أي حد سنثرثر منتقدين الأشياء التي لا تُعجبنا، (نصح أحد الزملاء النباتيين زملاءه الذين يأكلون اللحوم بشأن اختيارهم تناول “لحوم الحيوانات الميتة”)ـ لكل منا نمط ملابس معين نحبه، في حين أن هناك أنماطًا “لن يرانا الناس بها أبدًا”، نحب أنواعًا معينة من الموسيقا ولكننا نتجاهل الأنواع الأخرى “الموسيقا الكلاسيكية مملة، وموسيقى الريف غبية”، فضلنا وجهات وأساليب سفر معينة في حين استنكرنا أخرى “هل يمكنك أن تتخيل أي شخص يقوم برحلة بحرية برغبة منه؟”، وحتى الحيوانات الأليفة تحصل على معاملة انتقائية، فالبعض لا يحب الكلاب، والآخر لا يحب القطط.
الفكرة هي ليس أننا لدينا تفضيلات نمط الحياة هذه، بل إننا نشعر بأننا مطالبون بالإفصاح عما لا نحب، ونحاول جعل الآخرين يستجيبون لها.
شكاوى التوقيع
تحذو معظم المنشورات في مدونتي حذو موضوع مشترك، وهو أن يبحث البشر عن هوية مناسبة لأنفسهم في مختلف بيئات المجتمع، إن عملية التعامل مع الهوية وتجربة مختلف الأمور وإعادة النظر فيها هي ما نسميه “الذات”، ولدهائنا، فإننا نسعى لجذب انتباه الآخرين ونقدم شكاوانا لهم ونحاول الوصول إلى مكانة ما في المجتمع.
تعد شكاوانا العامة جزءًا من هذه العملية، فكما وصفت في منشور آخر، في بعض الأحيان تكون شكوانا في الغالب طقوسًا، وطريقة لتذكير الآخرين بأننا “ما زلنا هنا” مستمرين في اتباع المعايير نفسها التي كانت لدينا، في كثير من الأحيان، تكون هذه محاولة للتواصل، ونداء للحصول على الدعم من الأشخاص الآخرين ذوي التفكير المماثل، ومن باب المزاح، قد نشكو من أجل “إثارة الأمور” في بعض المواقف، والأهم من ذلك، أننا نشكو على أمل تغيير الأشياء (ربما تخليص العالم إلى الأبد من القطط والزيتون الأخضر والسفن السياحية).
أغلب هذه الاعتراضات والشكاوى تحدث لإثارة الأمور فقط، نصل إلى مستوى آخر عندما نصبح معروفين بالشخص الذي يقدم شكاوى معنية بثقة – كالمضايقات، والعداءات، والنفور، وهذا يعني أن شعورنا بهذه الكراهية واستعدادنا للتعبير عنها يصبح جزءًا من هويتنا، ومع ذلك، نصل إلى مستوى آخر عندما يكون رفضنا لشيء ما إحدى الصفات الأساسية التي ينسبها الناس لنا عندما يفكرون فينا، (“أليست هي التي لا تأكل الخضراوات؟”، “أليس هو الرجل الذي يكره القطط؟”) وهذا ما أسميه “بصمة” هوية الفرد أو الجانب المميز لها.
كل واحد منا يريد الحصول على التقدير والاحترام، فنحن نستمتع باهتمام الآخرين، ونظريًّا، فإننا نكتسب هذا الاهتمام من خلال دعمنا الإيجابي للآخرين بدلًا من إنكارنا الفردي للأمور.
المراجع
Henricks, T. “Why We Complain: Grumbling is a Way of Building Relationships with Others.” www.psychologytoday.com. Posted August 21, 2022.
Ostman, C. “Aversions and Strong Dislikes: Working with the Things We Hate.” www.psychologytoday.com. Posted May 29, 2012.
Whitbourne, S. “Why Antagonistic People are So Unwilling to Change.” www.psychologytoday.com. Posted May 21, 2022.
نبذة عن الكاتب
توماس هنريكس، درجة الدكتوراه، هو أستاذ جامعي حاصل على جائزة دانييلي للتميز في علم الاجتماع في جامعة إيلون.
(وفق اتفاقية خاصة بين مؤسسة معنى الثقافية، ومنصة سيكولوجي توداي).
تُرجمت هذه المقالة بدعم من مبادرة «ترجم»، إحدى مبادرات هيئة الأدب والنشر والترجمة.
الآراء والأفكار الواردة في المقالة تمثّل وِجهة نَظر المؤلف فقط.