حل معضلة العربة – جوشوا دي. غرين
ترجمة: نورة آل طالب، مراجعة: أروى الفهد – إبراهيم الكلثم

لقد حيَّرتْ مُعضلة العربة علماءَ الأخلاق لعقودٍ من الزمن، وأصبحت تُشكِّل في الآونة الأخيرة نقطةً محورية للبحث في علم النفس الأخلاقي. إذ تتألف معضلة العربة -في الواقع- من مشكلتين مرتبطتين ارتباطًا وثيقًا، إحداهما معيارية والأخرى وصفية، حسبما يُشير تاريخها متعدد الاختصاصات؛ والورقة البحثية التجريبية المُعاد طباعتها هنا تُقدِّم حلًّا تقريبيًّا لمشكلة العربة الوصفية، إضافةً إلى أنها قد توفر المقوِّمات الأساسية لحل – أو إنهاء – مشكلة العربة المعيارية.
ولتقديم فكرة عامة للقارئ غير المُلِم بالموضوع، أقول: تنشأ معضلة العربة من مجموعةٍ من المعضلات الأخلاقية، ومعظمها ينطوي على مقايضات بين التسبب في وفاةٍ واحدة ومنع عدة وفيات. وتكمن المشكلة الوصفية في تفسير سبب ميلِ الناس، من ناحيةٍ نفسية، إلى قبول التضحية بروحٍ واحدة في سبيلِ إنقاذ عديدٍ من الأرواح في حالات معينة دون أخرى. تأمَّل في أكثر حالتين نوقِشتا على نطاقٍ واسع: يميل المستجيبون لحالة المحوِّل النموذجية (يُطلق عليهم أيضًا اسم المارَّة) إلى قبول سحب المحوِّل (محوِّل المسارات)، لتغيير مسار العربة وإبعادها عن خمسة أشخاص يتواجدون في المسار الأساسي، لتتجه ناحية شخصٍ واحدٍ فقط في المسار الآخر. وعلى النقيض من ذلك، يميل المستجيبون لحالة جسر المشاة النموذجية إلى رفضِ دفع شخص من جسر المشاة باتجاهِ مقدمة العربة، الأمر الذي يؤدي إلى مقتله وإنقاذ خمسة آخرين في المسار. بينما تكمن المشكلة المعيارية في تفسير متى يجب أن نقبل مثل هذه المقايضات ولماذا. إن المطمح طويل المدى هو أنَّ أي حلٍّ للمشكلة المعيارية سيكشف عن مبادئٍ أخلاقيةٍ عامة، وقد تنطبق هذه المبادئ بدورها على بعض المسائل الأخلاقية الواقعية كتلك التي تُواجَه في مجالات الأخلاقيات الحيوية، والحروب، و(في الآونة الأخيرة) تصميم وتنظيم الآلات ذاتية التشغيل؛ مثل السيارات ذاتية القيادة.
إنَّ المشكلتين، المعيارية والوصفية، وثيقتا الصلة ببعضيهما، إذْ تبدأ مشكلة العربة المعيارية بافتراض أن استجاباتنا الطبيعية لتلك الحالتين صائبةٌ بشكلٍ عام، إن لم تكن مُوَحّدة. ومن ثم، فإن أية محاولة لحل مشكلة العربة المعيارية تبدأ بمحاولة حل المشكلة الوصفية، لتحديد خواص السلوكيات التي تستدعي حكمنا الأخلاقي بالرفض أو القبول، وبعد تحديد هذه الخواص وانتقالنا إلى المسائل المعيارية، يظهر احتمالان عامَّان.
الاحتمال الأول: هو أننا قد نجد أن الخواص التي تتأثر بها أحكامنا تبدو -أيضًا-، عند تأملها، خواصًا مؤثرة على الأحكام بالضرورة. وفي ظل هذه الظروف السارّة، تُحل المشكلة المعيارية جوهريًا، إذْ إننا نُعيد هنا -ببساطة- تشكيل مبادئنا النفسية الوصفيّة لتكون مبادئ أخلاقية معيارية. على سبيل المثال: نُحوِّل عبارة «يحكم الناس على مقبولية الفعل أخلاقيًّا إذا وفقط إذا …» إلى «الفعل يكون مقبولًا أخلاقيًّا إذا وفقط إذا …» إذن، لن تثبت صحة فلسفة تتبنى هذا الموقف من المبادئ الأولية، بل ستتأرجح بيُسر في أرجوحة «التوازن التأملي» المدعوم بشبكة من «الأحكام المدروسة» «considered judgments» (Rawls 1971).
بينما الاحتمال الثاني -المُقلق حقًا-: هو أن الفهم الأفضل لعلمِ نفسِ الأخلاق سيدفعنا إلى إعادة النظر في كثيرٍ من «أحكامنا المدروسة». وبعبارة أدق، أقول: قد يُعلِّمنا العلمُ بأنَّ بعض أحكامنا تتأثر بخواصٍ لا تبدو، عند تأملها، أنها مهمة أخلاقيًّا. وبالمثل، قد نجد أن أحكامنا لا تتأثر بخواصٍ أخلاقية تبدو، عند تأملها، أنها مهمة أخلاقيًّا. وفي ظل هذه الظروف المعقدة، يخلق الفهم العلمي للحكم الأخلاقي مشكلةً وفرصةً مكافئة؛ فمن خلال نقلِ بعض أحكامنا من الصندوقِ «الموثوق» إلى الصندوقِ «غير الموثوق» قد نجد أنَّ الأحكام المتبقية في الصندوق «الموثوق» تُشير إلى استنتاجات جديدة (أو إلى استنتاجات قديمة استُبعِدت على نحو واسع).
حاججتُ في كتابٍ لي بأنَّ أي فهم أفضل لعلم النفس الأخلاقي يُؤيد النفعية/العواقبية بهذه الطريقة بالتحديد (Greene 2013). وأنا لا أدَّعي أنه في مقدور المرء أن يستمد «الواجبات» الأخلاقية من «ماهية» العلم النفسي، إنما أدَّعي بأن الفهمَ العلميّ الأفضل لأحكامنا يُمكن أن يَكشف عن ضغوطاتٍ كامنة في «واجباتنا» الأخلاقية، ومن ثم يُعيد توجيهَ تفكيرنا المعياري نحو «توازن تأملي مزدوج» (Greene 2014)، إذ يتم التوصل إلى الاستنتاجات من خلال دمج المعرفة العلمية للذات في تنظيرنا الأخلاقي التأملي. لن أتطرق إلى دفاعي عن النفعية/العواقبية في هذه الورقة؛ لأن هدفي -ببساطة- هو توضيح كيف أنَّ الورقة البحثية المُعاد طباعتها هنا تتناسب مع مشروعٍ شمولي في الأخلاقيات المعيارية.
للتحميل: حل معضلة العربة – منصة معنى