تتحدث آن أوبير سفيلد في كتابها قراءة المسرح الجزء الثالث، والذي خصصته للحوار في المسرح، عن محورين مهمين، في خضم المحاور الأخرى التي لا تقل أهمية عنهما، المحور الثالث عشر: الذي عنونته بالشعرية، والمحور الرابع عشر: الذي خصصته للحوار وأداءه، حيث حاولت أن تقدم متنًا نظريًا مهمًا حول أوجه الشعرية ووظائفها وعناصرها في المسرح، كما حاولت أيضًا أن تتحدث عن الحوار وأداءه وسلطة الكلمة فيه.
وتنطلق آن أوبر سفيلد في ثنايا تحدثها عن مصطلحي الشعرية والأدبية من تعريف جاكبسون وتدوروف، إذ ترى أن الشعرية هي مجموعة من آليات الكتابة التي تكون لغة ثانية وجمالية (فنية) ويمكن في نظرها دراسة شعرية النص المسرحي كما في القول “يركز النبر على هذه الوظيفة التي تتجلى أساسًا في الجانب الملموس للعلامات”، بحيث يكون المسرح ممارسة مادية، تتعدد أهمية هذه العلامات المادية وتتمحور الوظيفة الشعرية على المدلول (المعجم والصوت والصورة) وعلى كل التركيبات الممكنة لعناصر الخطاب. لكن هناك شعرية النثر المرتبطة باللعب والرنة وهي ذات أهمية للحديث عن الشعرية خارج خطاب الشعر، وارتباطًا بنوع من الاختيار الذي يهتم بمجموع العلاقات النصية. وفي المسرح تكون شعرية الحوار المسرحي ذات صعوبة خاصة، فالحوار مجزأ ومرتب، ويُمَكِّن من توفير كلية نصية قابلة للدراسة باعتباره مجموعة مغلقة، والأكثر من ذلك أن هذه الشعرية لا يمكن الإمساك بها بسهولة في لغة أدبية مركزة على الوظائف التواصلية. وهكذا ترتبط الشعرية حسب آن أوبر سفيلد بالبنية في اللغة الأدبية في حين ترتبط بالعلاقات في المسرح.
قراءة الشعري
يقول “بورديو” إن الشعري هو الذي يتضمن ما يمكن القارئ من الاهتمام بالنص، فيستطيع “القارئ أن يقف عل الجانب المرهف (الإحساس) للنص مادة وحركة ونبرًا، ويكون مؤهلًا للتجاوب مع الواقعي المتموضع في ترتيب المعنى، بدلًا من اختراقها كعلامة شفافة تقرأ من غير أن تكون ماثلة أو مرئية للسير مباشرة إلى المعنى.
ترى آن أوبر سفيلد أن المعنى الجيد هو المهم وليس التجربة، فمنظور الشعرية في خصائصه يمتلك ما يجعله منظورًا جماليًا (صياغة أو موسيقى) أخذا بعين الاعتبار عدم أهمية نسبة كبيرة من العناصر لغة كانت أو وعيًا، لأن خصوصية المسرح تفرض هذا التراكب، فالعنصر الأكثر أهمية في الأدب من منظور الشعرية لا ينطبق على المسرح بالمقاييس نفسها لأن المسرح عمل مركب.
يمكن حسب آن أوبر سفيلد أن نفكر بأن المتفرج يستقبل عناصر المنظور اللغوية والصوتية التي تعتبر أيضًا مادة الشعرية ذاتها، وذلك في مستوى تموضعها من عتبة الوعي. هكذا يمكن للشعرية حسب آن أوبر سفيلد أن تدرك بالمنظور أو بردود الفعل في المسرح في أي نص، علمًا أن شروط الاستقبال ليست هي نفسها. فلا تشتغل في المسرح هذه العناصر الصغيرة من المنظور فقط، بل كل ما يشكل العمل المسرحي.
اللحظة الشعرية
إذا كانت الشعرية حاضرة في كلية الحوار، فهناك لحظات تتجلى فيها أكثر من كونها مكونا كباقي العناصر الأساسية، فالأكثر أهمية هو ما يلفت انتباه المتفرج ليبحث عن المعنى ويسمع من خلال الكلمة لرسالة أخرى غير ما تدل عليه. وترى آن أوبر سفيلد أيضًا أن الشعريَّ هو الذي يؤسر التحول من وضعية الملفوظ وتلك التي تجعل المتفرج في المسرح يسمع فجأة مجموعة من الإرساليات نظرًا لكونها وضعية مركبة، كما يسمع لطبقات مختلفة من الأصوات بين الانخفاض والارتفاع، كما تتضمن هذه الشعرية التحول من الغنائية القائمة على الأغاني المقفاة إلى ما يولد موضوعات تعتبر شعرية تقليديًا.
ينتج الملفوظ ما يمكن اعتباره رزمة من الكلمات لأن ذلك سرعان ما يقع فيه تحول إذ لا يعرف من القائل (المرسل) كما لا يعرف من دالية القول (المرسل إليه) سلفًا، هناك مسافة بين القول وزمن الحدث، فعمل الدال بخصوصيته هو ما يوفر هذه الكتابة الشعرية. وللتمثيل لهذا المكان الشعري أعطت آن أوبر سفيلد أمثلة من المسرح العالمي، واقفة عند شكسبير الذي يضفي غنائية على أمكنة مسرحياته لإضفاء الطابع التراجيدي عليها، فاللحظة الشعرية في ماكبث هي هذا التداخل الحاصل بين موت زوجته، وهذه النهاية الأليمة.
الأوجه البلاغية
ترى آن أوبر سفيلد أن شعرية المسرح لا تتحدد فقط داخل الزمن الغنائي، بل من خلال النص كله، فالشعرية أولًا هي: الأوجه البلاغية التي نجدها داخل الحوار في المسرح كما في أي نص أدبي، نجد فيه (المسرح) كما في الشعر مثلًا البلاغات وغيرها. لكن في الحوار المسرحي تمتلك هذه الأوجه اشتغالًا خاصًا لسببين هامين:
في المسرح نرى أن الكلمة حركة، كل عناصر الخطاب لا تعني أن نقول شيئًا بل أن نراه إذ كان قائمًا على الحدث أو على المتفرج، فالأوجه البلاغية لا تعني مجرد تنسيقات وزخرفة لكن أدوات.
العناصر الأساسية للشعرية في المسرح لها أهمية للحديث عن إجمالية النص (مجموع النص) والحضور الحركي النشيط للذاكرة بناء على التعليلات التي قام بها جاكبسون.
يعتبر إذن الحوار حسب آن أوبر سفيلد معطى فيزيائي ناطق بصوت وجسد الممثلين وتتمظهر في الحقيقة الفيزيائية للفضاء المسرحي فتصبح الكلمة المسرحية شيئًا. فندرك الأهمية الأساسية للأوجه البلاغية في الحوار، لإنها أولى الأوجه الأقل انعزالًا، لكن الأكثر وضوحًا تمامًا لدى المتفرجين لارتباطها بالذاكرة ففي إلكترا سوفوكل، منذ اللحظة الأولى يظهر الأب في الحوار بشكل مزدوج، ويلاحظ أن أغلب النصوص المسرحية تتولد موضوعات شعرية، وتنتج استعارات عن طريق التقريب بين مختلف العناصر، فالاستعارة بكونها تجمع بين شيئين متباعدين مع الالتزام بمبدأ الضرورة والاحتمال، فالتجاور مع الخطأ، إذ تبرز شكل الفكرة، ويكون الذنب (الجريمة) هو ما نسقط فيه بالضرورة، وتكتسب الاستعارات قيمتها الرمزية من انخراطها في الثقافة، فالرمز كما يقول بورس علامة مقرونة بشيء موظف داخل قانون ما، كان مادة أو مجموعة من الأفكار العامة. لكن أمبرتو إيكو يعطي تعريفًا للرمز بشكل آخر إذ يقول: “لدينا دائمًا رمز أكثر من وحدة من العلامات فالمدلول الذي يتحدد في إطار نظام وظيفي للعلامة غير مباشر وهو ما يسمح بالتأويل رمزيًا لتحقيق معنى غير مباشر.
لا تتعدد الأوجه البلاغية بدقة داخل الحوار أو في التحاور، لكن في صلب الحدث، وليس بمحض الصدفة، لكن الأمر مرتبط أساسًا بعمق الإشكالية، وقد أعطت آن أوبرسفيلد أمثلة من التراجيديا اليونانية وكذلك الفرنسية: سوفوكل وراسين.
الشعرية والموسيقى
ترى آن أوبر سفيلد أن المسرح وجد ليكون مسموعًا، فالعناصر الموسيقية للحوار المسرحي جانب مهم من الشعرية، وإن كانت عنصرًا صعبًا للإدراك، بقراءة بسيطة وصعبة أيضًا للتحليل، ولأنه يتطلب تركيزًا مواكبًا لجميع العناصر المكونة للسلسلة، لكن هذا الجانب من الشعرية جانب مهم في المسرحية فلا نتحدث عن الزخرفة والتزيين فقط (الأبيات، القافية…)، بل هناك أهمية للاستماع للمعنى. وترى آن أوبر سفيلد أهمية الكلمات في المسرح كما لو كنا نتحدث في الحياة اليومية بمراعاة نسبة من الاقتصاد. كما ترى أن الإيقاع في آخر المطاف هو الذي يعبر عن الوحدة والاختلاف في المسرح، وللسانيات دور مهم في مقاربة جانب اللغة على خشبة المسرح نظرا لأهمية الأداء، وفن القول في المسرح، وهذا ما ذهبت إليه آن أوبر سفيلد في إطار حديثها عن الفونيمات مستعينة بأبحاث اللسانيين خاصة جاكبسون في تحليل اللغة، موظفة المصطلحات اللسانية كالرمز والصوت، والفونيم، والدلالة والمعنى، والمرجع وغيرها. وتتحدد أهمية الأشياء في المسرح في كون النصوص حسب آن أوبر سفيلد فقيرة ولا تتضمن شيئًا يفضي أهمية ما عن الجانب الموسيقي للدال، فإذ كان المسرح الكلاسيكي الفرنسي يهتم بالكلمات والقوافي، فتوجد أشكال أخرى من الكلمات والتركيبات والقوافي والمؤثرات الشعرية في المسرح غير كلمات النص، وإذا نظرنا مثلًا للقوافي في اشتغالها، كما في مسرحيات راسين نجد (ombrage/ visauge، sultane/ condamne) تضيء ما تحدثت عنه آن أوبر سفيلد سالفًا.
يلقي الحديث عن الشعرية في النصوص الأدبية ظلاله على عناصر أخرى منها الإيقاع، وكما يوجد إيقاع منظم للأعمال الأدبية، فإن المسرح حسب آن أوبر سفيلد له إيقاعاته هو أيضًا بمجموعة من الروابط والوحدات النغمية، فأغلب النصوص الدرامية الفرنسية لها هيئة شعرية ونسبة قليلة منها شعر حر، هذا ما يعني أن القصيدة تلعب دورًا مهمًا في خلق شعرية النص كما لدى موليير وكورني.
إن المسرح الفرنسي الكلاسيكي زاخر بهذه النبرة الشعرية التي تهتم بالكلمات وإيقاعاتها والصور الشعرية، فكان الاهتمام باللغة وعظمتها قاسمًا مشتركًا بين أعمال المؤلفين المسرحيين الفرنسيين الكلاسيكيين، وهذا ما دأبت في الكشف عنه آن أوبر سفيلد من خلال نماذج من أعمال هوجو، راسين وكورني وغيرهم.
الأنظمة الشعرية
على الرغم من كون الشعري بحضوره ينتشر في مجمل الحوارات، إلا أننا نراه، في بعض اللحظات التي ينخفض فيها التواصل، ليدع فرصة ما للملفوظات المنتظمة كي تنتشر في التحول، وتلك هي الوظيفة الشعرية، فتحديد المدلول يلعب الدور الأول في ذلك بحيث يمكن أن نفرق بين نوعين هما السيناريو المتخيل لتأليف قصة بسيطة بعناية، الأول يرتبط بالوظيفة الملحمية المرتبطة أساسًا بفعل الحكي، والثاني يرتبط بالغنائية وبينهما علاقة تكاملية، إذ أحدهما يمثل مرجعًا للآخر لوصف العالم.
تفصل آن أوبر سفيلد في حديثها عن السيناريو المتخيل وباقي عناصر الأنظمة الشعرية بالوقوف أولًا عند مفهوم السيناريو المتخيل، إنه حكاية لصيقة بصوت الممثل بأدوات قليلة من العناصر المرئية، فالسيناريو ليس عرضًا ولا حكيًا لحدث خارج الخشبة أو مرتبط بالحل. هكذا تشترط آن أوبر سفيلد شرطين أساسيين في السيناريو المتخيل. فالسيناريو الخيالي، إذن، هو ما ليس قابلًا للتصوير، إنه خارج الزمن في الماضي أو في الحاضر، الرجوع إلى الخلف أو انعكاس في المستقبل، إنه الزمن الذي ليس حاضر الفعل، فهو عند راسين، ما قبل التراجيدي أي ما يتأسس عليه الخطأ التراجيدي، إنه ملخص الليلة الأخيرة الذي فيه troie خطاب pyahus وقد أعطت آن أوبر سفيلد أمثلة أخرى لتحديد هذا الملخص (سيناريو) في مسرحيات أخرى كـ بيكيت. وقارنت آن أوبر سفيلد بين نوعين من السيناريو يكون فيهما المرسل هو الشخصية نفسها كما في atlalie وjood لراسين، إذ الأحداث الراهبة تكشف عن الجانب الغرائبي من قبل abber، فـ jood بكونه مرسلًا ينخرط هو الآخر في الخطاب من خلال الشعور بالألم والبكاء.
إن السيناريو المتخيل مكان شعري، وفضاء نصي يتحول فيه المتفرج إلى شيء مادي ضمن الخطاب، والممثل وحده هو الذي يستطيع أن يأخذ بعين الاعتبار هذا البعد للنص الدرامي، دون أن تغفل آن أوبر سفيلد حالات خاصة يتعدد فيها السيناريو خارج الذاتية.
الحوار وأداءه
ليس الحوار المسرحي الشيء التام، إنه الكلام المنطوق الذي تكون فيه العبارات ملموسة، ليس للمسرح قط حاجة إلى العناصر غير اللغوية و اللغوية على خشبة المسرح، إذ لا يهم أن يكون نظامًا تواصليًا، لأنه شكل فني، بل فن حقيقي، إن العرض هو الذي ينشئ للحوار حدوده بالخيال و الفرجة، ليبني بذلك الزمن و المكان الخيالي (المتخيل) والعرض (المادي)، هكذا يكون دور العرض مزدوجًا، حسب آن أوبر سفيلد، وهكذا يجلي ويقدم الجانب الشعري للنص وهو عمل ليس بسهل، كما يخلق خطابًا شعريًا في علاقته بالنص و الحوار وتمفصلاته الشعرية، بجانب العناصر الأصلية للخشبة كلها. يوجد الشعري إذن في المسرح إذا أمكن قول ذلك، شعري علامات العرض الذي يضاعف علامات اللغة.
المرئي
قد وظفت العلامات بشكل اعتباطي في التواصل الداخلي دون اعتبار المرئي المبني أساسًا على نوع من التبادل وهذا ما يذكرنا به Carving Goffman حيث تترك كلمات المتكلم والمستمع أثرًا لجعل الصوت أكثر أهمية من المشاهدة وأكثر أهمية في نظر التنظيم، لكن حسب آن أوبر سفيلد هناك أهمية المؤشرات المرئية والوظيفية المجازية للإيماءات والحركات، وكذلك النظرات التي تثير الانتباه، إن هذا كله يندرج ضمن عمل الممثل الذي يتحدث عنه Goffman. توجد في المسرح إنجازات مادية، (أفعال) تجلي تأثيرات الكلام، إنها ما يسعى العرض لتقديمه مرئيًا، وخير دليل على ذلك الإنجازات التي جاءت في المشهد الأخير من هاملت.
الفاعل يتحدث
لا يتحدد المتكلم أو بتعبير أدق مرسل اللفظ في الحوار النصي، من خلال كل الخصوصيات كما أنه ليس كائنًا، وكذلك الممثل لا يوجد وحده، بل مجموعة من الشخصيات، وعليها كلها أن تتوزع في المجال. إنه عمل المخرج الذي يعطي وجهًا حيًا للخلق الحالم، إنه النقطة الأولى بل النظام الداخلي للمتكلمين لإعطاء معنى للتعابير، وبهذا المعنى يحدد المخرج معنى الحوار، المعنى الذي يريد أن يظهره هو، فالمخرج ليس ضد النص بل معه، فالحوارات مثلًا بين الملك لير والأحمق تتحدد بشخصياتهما وحضورهما الفيزيائي. إن العمل المشترك للمخرج هو اختيار المتكلم ونظامه اللفظي، والممثل الذي يحمل الملفوظ تطويرًا أو تعديلًا ويهتم المشروع بهذا النص الحاصل في الحوار بالقدر الذي يقدمه ماديًا في صيغة حديثة.
شروط الملفوظ
ترى آن أوبر سفيلد أن الدور الأساسي للمخرج هو أن يحدد أين ومتى يتحدث الممثلون، وذلك جزء من عمله، ليعرفنا بالشروط اللفظية للنص الحواري، تلك الشروط التي لا يمكن أن نقتصد فيها، فلا تتحدد الأهمية إلا من خلال العلاقة بين شروط الملفوظ وشروط الخشبة، بطريقة تختلف كل مرة باختلاف الإخراج، والخيال من خلال الشروط الخيالية التي يتحقق داخلها الإخراج، وفي المعنى الذي يدرجها داخل التبادل الحواري. دون إغفال جانب مهم من الحرية لتمكين الممثل من اللعب وفق شروطه هو الآخر، وألا نسجنه وأن نبين أنه موجود بل أن يكون المخرج معلمًا له.
تقديم غير المنطوق
يعد أمرًا مهمًا أن يسمح الإخراج للمتفرجين، بواسطة العناصر الركحية (الأشياء بشكل خاص) وبواسطة عناصر اللغة، بالاستماع وفق الاختيارات الميثولوجية، أو الملحمية، والمرجعيات الجغرافية أو الأشياء الرمزية التي يقدمها العمل المسرحي، كما يمكن أن نقوم بإخراج مختلف الإديولوجيات كما لدى تشيكوف أو القيم الخبيثة لإدراك الأشياء في شساعتها، ويمكن للمخرج والممثل معا حسب آن أوبر سفيلد أن يسمعا كلمة ويرفقها بإيماءة.
الشعرية وكتابتها الركحية
تري آن أوبر سفيلد أن المهمة الأولى الأكثر أهمية للممثل هي إسماع الكلمة، وأن يعطي للتبادل الحواري جسده (سمعي بصري)، وأن يبني بالألفاظ أفعال ركحية، لكن العرض يبني شعرًا جماليًا لذلك لا يكون العرض إلا عنصرًا، إذ مجموع علامات العرض (استغلال الفضاء، الإضاءة أصوات، موسيقى…) المجموعة التي تضم مجموع العلامات التي ينتجها الممثل فهذا الشعر عمل الفنان المخرج، عمل تتسابق فيه الأشعار التي ينتجها الممثلون بجانب فنانين آخرين، و كما تشير إليه آن أوبر سفيلد في كتابها قراءة المسرح IIالسابق لهذا الكتاب، فالمشكل المطروح متعلق بالروابط بين مجموع الشعر المعروض وشعرية المحاور، فالحوار قائم على الغنى الذي تقدمه العلامات الركحية وبالعكس من ذلك من خلال العراء (الفضاء الفارغ) الذي تشتغل فيه العلامات المسرحية. وبشكل عام تكون العلامة الركحية ذات علاقة بعنصر الحوار، ويمكن أن توظف كما لو أنها ضرب من الاستعارة، بحيث يوجد دائمًا سياق توظف فيه هذه الاستعارات، ويمكن أن نتخيل نصًا ماثلًا أمام المشاهدة نستطيع من خلاله أن نكتشف هذه الاستعارات.
سلطة الكلمة
يشارك المتفرج في الكلمة التي لا يكون فيها مشاهدًا بنسبة أقل، إذ هناك نوع من الهلع أمام الميم (تعبير صامت)، فالكلمة تؤمن لأنها حسب آن أوبر سفيلد جانب إنساني يجعلنا نشارك دون القدرة على الرد لنصبح أحكامًا أمام المتفرجين. إن الكلمة وعاء الهوية لذلك ترتبط بعواطف الشخصية هذه العواطف المتخيلة، لكن الكلمة حقيقية بامتياز نحن من ننطقها بأفواهنا، كلمات مشتركة نعرفها جميعًا.
وترى آن أوبر سفيلد أن كلمة الممثل تقترن بكلمة ممثل آخر وبكلمتنا نحن أيضًا، إنها لعبة المسرح التي تقدم الكلمة في شكل موسيقى أو من خلال الحوار، فتستقبلنا الكلمة لنسمعها، لنسمع ما يقال في المسرح وربما خارجه كذلك، كلمات سياسية وغيرها تلك التي تستضيفنا أيضًا لنجد مكانًا لنا بحيث نتمكن من الكلام.