
يكاد يستحيل وصف الجمال الذي يتصفُ به أحد رياضيي القمة وصفًا مُباشرًا أو أن يُسْتحضر. ضربة فيدرير الأماميّة سوطٌ سائل عظيم، ويستطيع أن يجعل ضربتَه الخلفية بيدٍ واحدة مُسطحةً أو عالية الدوران أو قَطْعيّة؛ وتجعل القَطْعيّة المُرْسلة بفرقعةٍ الكُرةَ تصنع أشكالًا في الهواء وتنزلق على العشب على ارتفاع الكاحل تقريبًا. وتيرة إرساله من طراز عالمي، ومَوْضَعة إرسالاته وتنوعها لا يدانيه فيهما أحد؛ وحركته في الإرسال رشيقة وطبيعيّة، ومُميَّزة (في التلفاز)، كأنهُ [سمكة] أفعوانية في تناسق جسده في ضرباته عندما ترتطم الكرة بالمضرب. وقدرته على الاستباق وإحساسه بالملعب من عالمٍ آخر، وحركة قدميه هي الأفضل في اللعبة؛ إذ كان في طفولته أُعْجوبةً في كرة القدم. كلُّ هذا صحيح؛ لكن أيًّا من ذلك لا يُفسِّرُ شيئًا ولا يستدعي التجربة التي يستشعر بها من يُشاهد هذا الرجل وهو يلعبُ: أن يرى رأي العين جمال هذه اللعبة وعبقريتها. عليك أيضًا أن تتعاطى مع الجوانب الجماليّة على نحو غير مُباشر، أن تُداورَ حولها أو –كما صنع الأكويني في موضوعه العصي على الوصف– أن تحاول تعريفه من خلال وصف ما ليس هو.
أولًا، اللعبة عصية على أن تُتَلفز، على الأقل ليس على نحو كامل. لمشاهدة التنس على التلفاز ميزاتها؛ ويقابل هذه الميزات عيوب، على رأسها الشعور الزائف بحميميّةٍ ما. يُقدِّم التلفاز إعاداتٍ بطيئةً ومشاهد قريبة وصورًا بيانية، جميعها مميزات للمُشاهد تجعله لا يُدرك مقدار ما يُفْقَد في البث؛ وقدر كبير مما يُفقد هو الفيزيائيّة التي تمتاز بها مباريات التنس الكُبرى، الإحساس بالسُرْعات التي تتحرك بها الكرة، وردود فعل اللاعبين عليها. ويسهُل تفسير هذه الخسارة، فأولوية التلفاز هي إظهار جميع الملعب وتقديم منظور شامل؛ بحيث يستطيع المشاهدون أن يروا كِلا اللاعبين والمشهد الكُلي لتبادل الكرة. هكذا يختار التلفاز منظورًا برَّاقًا علويًّا وخلف خط القاعدة. أنتَ، أيُّها الـمُشاهد، فوق الملعب وتنظر إليه من الخلف. هذا المنظور، كما سيخبرك أيُّ طالب فن، «يُقصِّر عمق» الملعب. فالتنس الحقيقية، بطبيعة الحال، ثُلاثية الأبعاد، لكن صورة شاشة التلفاز ثنائية الأبعاد. البُعد الذي يُفْقد (أو بالأصح يُشوَّه) هو الطول الفعلي للملعب، البالغ ٧٨ قدمًا بين خطي القاعدة، والسُرعة التي تقطع بها الكُرة المسافة عندما تُضرب، والتي يحجبها التلفاز؛ ولكن عند النظر إليها في الواقع تبدو مُخيفةً. قد يبدو لك هذا الكلام مُجرَّدًا أو مُبالغًا فيه، وفي هذا الحال اذهب إلى بطولة احترافية –خصوصًا في الجولات الأولى حيث يمكنك أن تجلس على قرب ٢٠ قدمًا من الخط الجانبي– وشاهد الفرق بنفسك. إن كنت لم تشاهد التنس إلا على التلفاز؛ فلا فكرةَ لديك عن القوة التي يضرب بها هؤلاء المحترفون الكرةَ، وعن السرعة التي تتحرك بها الكرة، وكم هو قصير الوقت المتاح للاعبين للتحرُّك والدوران والضرب والاستعداد مرة أخرى. ولا أحد أسرعَ أو أرشق من روجر فيدرير.
الأمر الـمُشوق أكثر والذي تُخْفِيه التغطية الـمُتلفزة هو ذكاء فيدرير؛ إذ إن هذا الذكاء يتجلى غالبًا في الزاوية. بمقدور فيدرير أن يرى، أو أن يخلق، ثغرات وزوايا تحرز الفوز ولا يمكن أن يتنبأ بها غيره، والمنظور التلفازي مثالي لمشاهدة هذه اللحظات الفيدريريّة ومراجعتها. ما يصعب تقديره على التلفاز هو أن زوايا النظر الـمُبهرة هذه والـمُحرزة للنُقاط لا تأتي من العدم؛ بل يُعدّ لها مسبقًا بعدةِ ضرباتٍ، وتعتمد كثيرًا على تلاعب فيدرير بمواقع خصمه، كما تتمثل في الوتيرة أو في وضع الضربة القاضية. وفهم كيف، ولماذا، يستطيع فيدرير أن يُحرِّكَ لاعبين عالميين على هذا النحو؛ يتطلب بدوره معرفة فنيّة أفضل بالقوة الحديثة للعبة التنس بأكثر مما يستطيع التلفاز تقديمه.
بطولة ويمبلدون غريبة؛ حقًّا هي قِبْلة اللعبة وكاتدرائيّة التنس؛ لكن ربما كان من الأسهل الحفاظ على المستويات الـمُناسبة من تبجيل حضور البطولة في هذا المكان تحديدًا، لولا أنها عازمة على تذكيرك مرة تلو الأخرى أنها كاتدرائيّة التنس. ثمة خليطٌ غريبٌ من الرضا عن الذات صعب الهضم، يُصاحبه ترويج دؤوب للنفس وإشهارٌ للعلامة التجاريّة. الأمر شبيه بعض الشيء بشخصية ذات سلطة يمتلئ جدار مكتبها بكل لوحة تقديريّة وشهادة وجائزة حازتها، وكلما أتيت إلى المكتب تُجْبَر على أن تُطالع الجدار وتقول شيئًا يوحي بأنك مُنْبهر. جدران ويمبلدون، بالإضافة إلى كل معبر وممر، مغطاة بالـمُلصقات واللافتات؛ فيها صور للأبطال السابقين وحقائق حول البطولة، وتوافه، وأساطير تاريخيّة، وهلمَّ جرّا. بعض هذه الأشياء مثيرة فعلًا، وبعضها لا يعدو أن يكون غريبًا. على سبيل المثال يوجد في متحف مَرْج ويمبلدون للتنس مجموعة من أشكال شتى من المضارب التي اُستخدمت في ويمبلدون عبر العقود، وكذلك العديد من اللافتات التي تُروج للمتحف في ممر الطابق الثاني في مبنى الألفيّة باستخدام الصور والنصوص التعليميّة التي هي أشبه ما تكون بتاريخ للمضارب، وهذه هي النهاية الدرامية لأحد النصوص كما وردت:
«الهياكل الخفيفة هذه الأيام مصنوعة من موادٍ من عصر الفضاء كالغرافيت والبورون والتيتانِيوم والسيراميك، وبرؤوس أضخم –الحجم الـمُتوسط (٩٠-٩٥ بوصة مربعة) والحجم الكبير (١١٠ بوصة مُربعة)– وقد غيرت شخصية اللعبة تمامًا. وفي هذه الأيام، يُسيطر الضاربون الأقوياء بالضربات الثقيلة عالية الدوران، أما اللاعبون الذين يُرسلون الكُرات الطائرة والذين يعتمدون على الرقة واللمسة فقد اختفوا تقريبًا».
وأقل ما يقال، إن من الغريب استمرار هذا التشخيص مُعلَّقًا على الجدارن في هذا المكان البارز في السنة الرابعة من سيطرة فيدرير على ويمبلدون؛ إذ إنَّ السويسري قد جلب للعبة تنس الرجال قدرًا من الرقة والحذق لم يُر منذ (على الأقل) أيام وهج ماكنرو. وإنما هذه اللافتة شهادة على سطوة الدُوغْما. فلعقدين، كان الـمُعتقد السائد أن التطورات في تكنولوجيا المضارب وتمارين اللياقة والأثقال قد حولت التنس الاحترافيّة من لعبة تمتاز بالسرعة والرقة إلى لعبة أقرب إلى ألعاب القوى والقوة المجردة. وهذا القول دقيق على العموم، بوصفه تفسيرًا لرياضةِ ملعبٍ تعتمد على القوة في هذه الأيام. فالمحترفون -في يومنا هذا- أكبر وأقوى وأحسن لياقةً، والمضارب المصنوعة من موادٍ مركبة عالية التقنية حسنت قدراتهم على ضرب الكرة وتدويرها، وهذا كله قابل للقياس. أما كيف لشخصٍ ببراعة ورقّة فيدرير أن يُهيمنَ على بطولات الرجال، فهو مصدر حيرة دوغمائيّة واسعة.
ثمة ثلاثة ضُرُوب وجيهة لتفسير علو كعب فيدرير. الضَرْب الأول ينطوي على سرٍّ وميتافيزيقا، وهو التفسير الذي أراه أقرب للحقيقة. والضربان الآخران أكثرُ فنيةً وأصلح للصحافة.
التفسير الميتافيزيقي هو أن روجر فيدرير أحدُ الرياضيين النادرين الخارقين للعادة، والذي يبدو أنهم مستثنون– على الأقل جُزئيًّا – من بعض قوانين الفيزياء. ومن الأمثلة الجيدة على هؤلاءِ: مايكل جوردون الذي يقفز قفزًا ليس بشريًّا بل ويبقى مُعلقًا في الهواء عدة لحظات أكثر مما تسمح به الجاذبيّة، ومحمد علي الذي «يُحلِّق» في الحلبة ليسدد لكمتين أو ثلاث في الوقت الذي يستغرق لتسديد لكمة واحدة. ولعل هناك بضعة أمثلة أخرى منذ عام ١٩٦٠، وفيدرير من هذا النوع؛ ذلك النوع الذي يمكنك أن تعده عبقرية، أو طفرة، أو تجليًا غير بشري. لا تراه أبدًا مُتعجِّلًا أو فاقدًا للاتزان، والكرة القادمة نحوه تتعلق في الهواء جزءًا من الثانية أطول مما يجب لها. حركاته حركات جسد مرن أكثر منها حركات جسد رياضي. ومثل علي وجوردن ومارادونا وغراتسكي، فحضوره المادي أبرز من خصومه وأخفى في آن واحد. وخصوصًا في الزي الأبيض الذي تُلزم ويمبلدون اللاعبين به، يظهر كما هو فعلًا (برأيي): مخلوقًا جسدهُ من لحمٍ وأيضًا من نور.
الأمر الذي يتصلُ بتعلُّق الكُرة في الهواء وإبْطائها، كما لو أنها طوع إرادة السويسري؛ تنطوي على حقيقةٍ ميتافيزيقيّة، وفي هذا طُرْفة: بعد نصف نهائي السابع من يوليو عندما دمرَ فيدرير يوناس بيوركمان –لم يهزمه فقط، بل دمرهُ– وقبل مؤتمر صحفي إجباري بعد المباراة قال فيه بيوركمان، وهو على علاقة طيبة بفيدرير، إنه كان مسرورًا بأنهُ «كان في أفضل مقعدٍ في الملعب» لمشاهدة السويسري «يلعب لعبة تنس هي أقرب ما يكون إلى الكمال». كان فيدرير وبيوركمان يتبادلان الحديث والنُكات، فسأله بيوركمان كيف تبدو له الكرة وهل هي ضخمة بنظره، فأكَّد فيدرير أنها تبدو له «كما لو أنها كرة بولينغ أو كرة سلة». كان كلامه مُلاطفةً لبيوركمان، وتواضعًا تجاهه، ولتأكيد أنهُ أيضًا مُتفاجئ من حُسْن أدائه في ذلك اليوم؛ بيد أنه أيضًا يكشف شيئًا عما تعني له لعبة التنس. تخيل أنك امرؤٌ يتصف بمرونة وتناسق وسرعة خارقة للعادة، وأنك تلعب التنس على أعلى مستوى. إحساسك لن يكون أنك تمتلك سرعة ومرونة خارقتين؛ بل سيبدو لك أن كرة التنس ضخمة وبطيئة الحركة، وأن لديك موفورًا من الوقت لضربها؛ أي أنك لن تستشعر السرعة والمهارة (وهي حقيقة محسوسة) التي سينسبها لك الجمهور الذي يرى كرات التنس تتحرك بسرعاتٍ تجعلها تُصدر فحيحًا ولا تعود تُرَى بوضوح.
السرعة هي إحدى العوامل؛ والآن نحن ندخل في الأمور الفنيّة. تُدعى التنس غالبًا «لعبة البوصات»؛ لكن هذا الكليشيه يشير إلى حيث تقع الكرة. أما من جهة ضرب اللاعب للكرة القادمة نحوه فالتنس لعبة الميكرومترات [جزء من مليون من المتر]: سيكون لتغيُّرات متناهية الضآلة في لحظة الارتطام تأثيراتٌ كبيرة في كيفية تحرك الكرة ومكانها. ويفسِّر المبدأ نفسه لمّا ستؤدي أدنى إخافة في دقّة تصويب البُندقية إلى عدم إصابة الهدف إن كان بعيدًا.
على سبيل التوضيح، فلنأخذ الأمور بتمهُّل: تخيَّل أنك لاعبُ تنس تقف خلف القاعدة عند موضع الاستقبال، وتُرسَل الكرة تجاه ضربتك الأماميّة، فتلتفت (أو تدور) ليكون جانبك إلى مسار الكرة القادمة، وتُعيد المضرب إلى الخلف لتضرب الكرة ضربةً أماميّة، استمر بالتصوُّر حتى تكون في مُنتصف حركة الضربة، والكرة القادمة بالقرب من وركك، ربما ست بوصات من نقطة الارتطام، تأمَّل بعضًا من الـمُتغيرات هنا، على المستوى العَمودي: تحريك مضربك عدة درجات إلى الأمام أو الخلف سيصنع ضربة عالية الدوران أو ضربة قَطْعيّة على التوالي، أما جعله مُتعامدًا فسيُنتج ضربةً مسطحةً عديمة الدوران: وأُفقيًّا: تعديل وجه المضرب قليلًا يمنة أو يسرة، وضرب الكرة أبكر أو التأخر بأجزاء من الثانية؛ سينتج عنه ضربة عبر الملعب أو داخل الخط. وتغييرات أخرى طفيفة في مُنحنيات حركة ضرب الكرة للأرض، التي إلى جانب السرعة التي تُؤرجح بها المضرب (مع بعض خصائص التدوير التي ستُمنح للكُرَة)، ستُؤثِّر في مدى عمق أو سطحية نزول الكرة في ملعب الخصم، وإلى أيِّ ارتفاع سترتد الكرة، وهكذا. هذه طبعًا تفريعات عامّة؛ مثلًا، هناك ضربة عالية الدوران ثقيلة وهناك ضربة عالية الدوران خفيفة، أو عابرة للملعب بحدة وعابرة للملعب بعض الشيء، وهكذا. كذلك هناك مسائل كم ستسمح للكرة بالاقتراب لجسدك، وأي مسكة للمضرب تستخدم، ومقدار انحناء ركبتيك وتوجُّه ثقلك إلى الأمام، وما إذا كان بمقدورك مشاهدة الكرة وما يفعله الخصم بعد الإرسال في آنٍ واحد. هذه الأمور كلها مهمة أيضًا. إضافة إلى أنك لا تُحوِّل شيئًا ثابتًا إلى شيء متحرك؛ ولكنك تعكس طيران المقذوف القادم إليك و(لحدود مختلفة) تُغيِّر دورانه – وهو آتٍ إليك في التنس الاحترافية – بسرعاتٍ تجعل التفكير الواعي مُستحيلًا. يأتي الإرسال الأول لماريو أنشيك، على سبيل المثال، غالبًا بسرعة ١٣٠ ميلًا في الساعة. وبما أن المسافة من خط قاعدة أنشيك إلى خط قاعدتك ٧٨ قدمًا؛ فهذا يعني أن الكرة ستستغرق ٠.٤١ جزءًا من الثانية لتصل إليك، هذا الوقت أقصر مرتين من الوقت الذي تستغرقه في طرف عينيك.
بالمحصلة فإن التنس الاحترافيّة تتضمن أزمنةً أقصر كثيرًا من زمن الفعل الواعي. فإننا من حيث الزمن ندخل في إطار عمل الأفعال المنعكسة، وهي ردود فعل جسدية محضة تتجاوز الفكر الواعي، ومع ذلك فإعادة الإرسال الفعّالة تعتمد على مجموعة كبيرة من القرارات والتعديلات الجسدية التي تتطلب مشاركةً وقصديّةً تفوق تلك التي في طرفة العين أو القفز عند الفزع وما شابه.
يتطلب النجاح في التصدي لإرسالِ كرة تنس صعبٍ ما يُسمى أحيانًا « الحاسة الحركية»، وتعني القدرة على التحكم بالجسم وملحقاته الاصطناعية بأنظمة مهام معقدة وفائقة السرعة. في الإنجليزية توجد سحابة من المصطلحات التي تعبر عن أجزاء من هذه القدرة: الشعور، اللمسة، الحالة، مُستقبلة الحس العميق، التناسق، التناسق بين العين واليد، الحاسة (تحذف) الحركيّة، الرشاقة، السيطرة، ردود الفعل المنعكسة، وهكذا. بالنسبة للاعبين الشباب الواعدين، يكون تحسين حاستهم الحركيّة الهدفَ الرئيس من أنظمة التدريب اليومي الشاقة التي نسمع عنها كثيرًا. والتدريب هنا تدريب عضلي وعصبي في الوقت نفسه. يُطور ضربُ آلاف الكرات يوميًّا القُدرةَ على الفعل بوساطة «الشعور» بما لا يمكن فعله بالفكر الواعي الـمُعتاد. ويبدو التدريب الـمُتكرر على هذا النحو مُملًّا، بل وقاسٍ لشخص دخيل؛ لكن الدخيل لا يستشعر ما الذي يجري داخل اللاعب؛ تعديلات طفيفة، مرة تلو المرة، وإحساس بالتأثيرات التي يُحدِثُها كل تغيير، تصير أكثر حدّةً حتى مع انحسارها من الوعي العادي.
الزمن والانضباط المطلوبان لتدريب الحاسة الحركيّة تدريبًا جادًا هما من أسباب أن اللاعبين المحترفين هم غالبًا أناس كرسوا أيامهم للتنس، بَدءًا (على الأقل) من مستهل مراهقتهم. على سبيل المثال، تخلى روجر فيدرير في سن ١٣ عن لعب كرة القدم تمامًا وعن طفولةٍ حقيقية، وانضم لمركز تدريب التنس الوطني في سويسرا في إيكوبلينس. وفي سن ١٦، تخلى عن الدراسة وبدأ مسيرته الجادة في المسابقات الدولية.
لم تمر أسابيع على تخلي فيدرير عن الدراسة إلا وفاز بويمبلدون للناشئين. من الواضح أن هذا ليس بالإنجاز الذي يحققه كل ناشئ يُكرِّس نفسه للتنس، فالأمر يقتضي أكثر من الوقت والتدريب؛ هناك أيضًا الموهبة المحضة بمقاماتها. يجب أن يتوافر قدر كبير (وقابل للقياس) من الحاسة الحركيّة في الطفل لأجل أن يكون تدريبه مُجْديًا … ولكن هنا تمتاز الموهبة وترتقي. إذن أحد التفسيرات الفنيّة لسيطرة فيدرير هي أنهُ يمتاز بموهبة حسيّة حركيّة أحسن بقليل من نظرائه المحترفين؛ أحسن بقليل فقط لأن جميع اللاعبين في قائمة أفضل ١٠٠ لاعب موهوب حسيًّا حركيًّا، بيدَ أن التنس تكون -حينها- لعبة البوصات.
من كتاب نظرية الأوتار، أُعيد نشره بتصريح من المسؤولين عن إرث ديفيد فوستر والَس الأدبي، في مجلة الفيلسوف الجديد، عدد (اللعب).